للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

.............................................................................................

ــ

بعد ذكره: وإني لكثير التعجب منه في هذا الموضع كيف ساغ له هذا التأويل، وحديث عائشة مفصل للحالتين فإنها صرحت بفعل من تمتع ثم من قرن حيث قالت: فطاف الذين أهلوا بالعمرة ثم حلوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من منى. فهؤلاء أهل التمتع، ثم قالت: وأما الذين جمعوا، إلخ. فهؤلاء أهل القران وهذا أبين من أن يحتاج إلى إيضاح – انتهى. وقال بعضهم: إن مقصود عائشة بهذا الحديث ليس بيان وحدة الطواف وتعدده بل المراد بيان أنهم طافوا للتحلل عن الحج والعمرة طوافًا واحدًا يعني أن القارن يكون مهلاً بإحرامين والطواف يكون محلاً للإحرام فكان مقتضاه أن يكون المحل طوافين للإحرامين كما وقع للمتمتعين لكن القارن يكفي له للتحلل عن الإحرامين طواف واحد. وهذا التأويل أيضًا بعيد جدًا، لا يخفى بعده وتعسفه على المنصف، واختار ابن القيم وجهًا آخر فقال: الصواب أن الطواف الذي أخبرت به عائشة وفرقت به بين المتمتع والقارن هو الطواف بين الصفا والمروة لا الطواف بالبيت فأخبرت عن القارنين أنهم اكتفوا بطواف واحد بينهما لم يضيفوا إليه طوافًا آخر يوم النحر وهذا هو الحق، وأخبرت عن المتمتعين أنهم طافوا بينهما طوافًا آخر بعد الرجوع من منى للحج وذلك الأول كان للعمرة وهذا قول الجمهور، وتنزيل الحديث على هذا موافق لحديثها الآخر، وهو قول النبي - صلى الله عليه وسلم - " يسعك طوافك بالبيت وبين الصفا والمروة لحجك وعمرتك " وكانت قارنة، ويوافق قول الجمهور ولكن يشكل عليه حديث جابر الذي رواه مسلم في صحيحه " لم يطف النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أصحابه بين الصفا والمروة إلا طوافًا واحدًا طوافه الأول، هذا يوافق قول من يقول يكفي المتمتع سعي واحد كما هو إحدى الروايتين عن أحمد نص عليها في رواية ابنه عبد الله وغيره، وعلى هذا فيقال عائشة أثبتت وجابر نفى، والمثبت مقدم على النافي، أو يقال مراد جابر من قرن من أصحابه مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وساق الهدى كأبي بكر وعمر وطلحة وعلي رضي الله عنهم وذوي اليسار، فإنهم إنما سعوا سعيًا واحدًا، وليس المراد به عموم الصحابة، أو يعلل حديث عائشة بأن تلك الزيادة فيه مدرجة من قول هشام، وهذه ثلاث طرق للناس في حديثها، والله أعلم – انتهى كلام ابن القيم. قلت: والطريق الأخير ضعيف جدًا بل باطل لأنه ليس في طريق حديث عائشة هذا هشام فإنه من رواية مالك عن ابن شهاب عن عروة بن الزبير عنها، فهذا إسناد غاية في الصحة، فممن الخطأ والإدراج؟ ويؤيده أن له طريقًا أخرى عنها في الموطأ في باب دخول الحائض مكة " عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عنهما " وهذا سند صحيح كالجبل ثبوتًا. وسيجيء الكلام في مسألة السعي بين الصفا والمروة للمتمتع بعد الرجوع من منى للحج. والراجح عندي في معنى الحديث هو ما قال السندي ومن وافقه، وهو المعروف في توضيح الحديث وتوجيهه عند القائلين بوحدة الطواف للقارن، وما اختاره ابن القيم وجيه أيضًا عندي وسيأتي إيضاحه، واعلم أنه اختلف العلماء في طواف القارن والمتمتع إلى ثلاثة مذاهب، الأول: أن على القارن طوافًا واحدًا وسعيًا واحدًا وأن ذلك يكفيه لحجه وعمرته، وأن على المتمتع طوافين وسعيين، وهذا مذهب

<<  <  ج: ص:  >  >>