للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

منى مناخ من سبق ". رواه الترمذي، وابن ماجة، والدارمي.

ــ

(منى) مبتدأ و (مناخ من سبق) خبره، والمُناخ بضم الميم، موضع إناخة الإبل، والمعنى أن الاختصاص فيه بالسبق لا بالبناء فيه. قال الطيبي: أي أتأذن أن نبني لك بيتًا في منى لتسكن فيه فمنع وعلل بأن منى موضع لأداء النسك من النحر ورمي الجمار والحلق يشترك فيه الناس فلو بني فيها لأدى إلى كثرة الأبنية تأسيًا به فتضيق على الناس وكذلك حكم الشوارع ومقاعد الأسواق، وعند أبي حنيفة رحمه الله أرض الحرم موقوفة لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة قهرًا وجعل أرض الحرم موقوفة فلا يجوز أن يمتلكها أحد – انتهى. وقال الخطابي في معالم السنن: قد يحتج بهذا من لا يرى دور مكة مملوكة لأهلها ولا يرى بيعها وعقد الإجارة عليها جائزًا، وقد قيل: إن هذا خاص للنبي - صلى الله عليه وسلم - وللمهاجرين من أهل مكة فإنها دار تركوها لله تعالى فلم ير أن يعود فيها فيتخذوها وطنًا أو يبنوا فيها بناء، والله أعلم – انتهى. قال القاري: وفي أن هذا التعليل يخالف تعليله - صلى الله عليه وسلم - مع أن منى ليست دارًا هاجروا منها – انتهى. قلت: عدم جواز بيع أرض الحرم وبيوت مكة وإجارتها هو مذهب أبي حنيفة ومحمد والثوري، وإليه ذهب عطاء ومجاهد ومالك وإسحاق وأبو عبيد، وذهب أبو يوسف والشافعي وأحمد وطاوس وعمرو بن دينار وابن المنذر إلى الجواز، واحتج الأولون بحديث عائشة هذا، وما أجيب به من اختصاص ذلك بالنبي - صلى الله عليه وسلم - والمهاجرين فلا يخفى ما فيه، فإن الخصوصية لا تثبت بالادعاء، وقال المحب الطبري في القرى (ص ٤٣٨) بعد ما حكى نحو كلام الخطابي: ويحتمل أن يكون ذلك مخصوصًا بمنى لمكان اشتراك الناس في النسك المتعلق بها فلم ير - صلى الله عليه وسلم - لأحد اقتطاع موضع منها ببناء وغيره بل الناس فيها سواء، وللسابق حق السبق وكذلك الحكم في عرفة ومزدلفة إلحاقًا بها – انتهى. هذا وقد أطال الكلام في بيان حكم بيع دور مكة وإجارتها وحكم البناء بمنى التقي الفاسي في شفاء الغرام (ج ١: ص ٢٦، ٣٢، ٣٢٠، ٣٢١) فعليك أن ترجع إليه (رواه الترمذي) إلخ، وأخرجه أيضًا أحمد وأبو داود في باب تحريم مكة، والحاكم (ج ١: ص ٣٦٧) والبيهقي (ج ٥: ص ١٣٩) وابن عساكر كلهم من طريق يوسف بن ماهك عن أمه مسيكة عن عائشة، والحديث حسنه الترمذي. وسكت عنه أبو داود، ونقل المنذري تحسين الترمذي وأقره، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم، وقرره الذهبي في تلخيصه. وقال ابن القيم: قال ابن القطان: وعندي أن الحديث ضعيف لأنه من رواية يوسف بن ماهك عن أمه مسيكة وهي مجهولة لا نعرف روى عنها غير ابنها – انتهى. قلت: مدار هذا الحديث على مسيكة وهي مجهولة. قال الحافظ في التقريب: مسيكة المكية لا يعرف حالها، من الثالثة، وذكرها الذهبي في المجهولات من النساء، وفي تهذيب التهذيب " قال ابن خزيمة: لا أحفظ عنها راويًا غير ابنها ولا أعرفها بعدالة ولا حرج " – انتهى. وقيل: الصواب تحسين الحديث فإن أم يوسف بن ماهك تابعية قد سمعت عائشة ولم يعلم فيها جرح، ومثل هذا الحديث حسن عند أهل العلم بالحديث، ولذلك سكت عليه أبو داود وحسنه الترمذي وقرره المنذري وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>