للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

..............................................................................................

ــ

لأن الله تعالى يقول: {محلقين رؤوسكم} ولم يقل: بعض رؤوسكم {ومقصرين} أي رؤوسكم لدلالة ما ذكر قبله عليه، وظاهره حلق الجميع أو تقصيره، ولا يجوز العدول عن ظاهر النص إلا لدليل يجب الرجوع إليه، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: " دع ما يريبك إلا ما لا يريبك ". فمن حلق الجميع أو قصره ترك ما يريبه إلى ما لا يريبه، ومن اقتصر على ثلاث شعرات أو على ربع الرأس لم يدع ما يريبه، إذ لا دليل يجب الرجوع إليه من كتاب ولا سنة على الاكتفاء بواحد منهما، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما حلق في حجة الوداع حلق جميع رأسه وأعطى شعر رأسه لأبي طلحة ليفرقه على الناس، وفعله في الحلق بيان للنصوص الدالة على الحلق كقوله: {محلقين رؤوسكم} الآية، وقوله: {ولا تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله} (٢: ١٩٦) وقد قدمنا أن فعله - صلى الله عليه وسلم - إذا كان بيانًا لنص مجمل يقتضي وجوب حكم أن ذلك الفعل المبين لذلك النص المجمل واجب، ولا خلاف في ذلك بين من يعتد به من أهل الأصول – انتهى. قال الحافظ: وفي الحديث من الفوائد أن التقصير يجزئ عن الحلق وهو مجمع عليه إلا ما روي عن الحسن البصري أن الحلق يتعين في أول حجة. حكاه ابن المنذر بصيغة التمريض، وقد ثبت عن الحسن خلافه. قال ابن أبي شبيبة: حدثنا عبد الأعلى عن هشام عن الحسن في الذي لم يحج قط، فإن شاء حلق وإن شاء قصر، نعم روى ابن أبي شيبة عن إبراهيم النخعي قال: إذا حج الرجل أول حجة حلق، فإن حج أخرى فإن شاء حلق وإن شاء قصر، ثم روي عنه أنه قال: كانوا يحبون أن يحلقوا في أول حجة وأول عمرة – انتهى. وهذا يدل على أن ذلك للاستحباب لا المزوم. نعم عند المالكية والحنابلة أن محل تعيين الحلق والتقصير أن لا يكون المحرم لبد شعره أو ضفره أو عقصه، وهو قول الثوري والشافعي في القديم والجمهور، وقال في الجديد وفاقًا للحنفية: لا يتعين إلا إن نذره أو كان شعره خفيفًا لا يمكن تقصيره أو لم يكن له شعر فيمر الموسى على رأسه، وأغرب الخطابي فاستدل بهذا الحديث لتعين الحلق لمن لبد، ولا حجة فيه – انتهى. وقال ابن قدامة (ج ٣: ص ٤٣٤) : وهو أي المحرم مخير بين الحلق والتقصير أيهما فعل أجزأه في قول أكثر أهل العلم. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن التقصير يجزئ، يعني في حق من لم يوجد منه معنى يقتضي وجوب الحلق عليه، إلا أنه يروي عن الحسن أنه كان يوجب الحلق في أول حجة حجها ولا يصح هذا، لأن الله تعالى قال {محلقين رؤوسكم ومقصرين} (٤٨: ٢٧) ولم يفرق النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ قال: رحم الله المحلقين والمقصرين. وقد كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من قصر فلم يعب عليه، ولو لم يكن مجزيًا لأنكر عليه، واختلف أهل العلم فيمن لبد أو عقص أو ضفر، فقال أحمد: من فعل ذلك فليحلق وهو قول النخعي ومالك والشافعي وإسحاق، وكان ابن عباس يقول: من لبد أو ضفر أو عقد أو فتل أو عقص فهو على ما نوى، يعني إن نوى الحلق فليحلق وإلا فلا يلزمه، وقال أصحاب الرأي: هو مخير على كل حال لأن ما ذكرناه يقتضي التخيير على العموم، ولم يثبت في خلاف ذلك دليل، واحتج من نصر القول الأول بأنه روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: من لبد

<<  <  ج: ص:  >  >>