للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال: " اسقني ". فشرب منه، ثم أتى زمزم وهم يسقون ويعملون فيها، فقال: " اعملوا فإنكم على عمل صالح ". ثم قال: " لولا أن تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل على هذه ". وأشار إلى عاتقه.

ــ

الحديث أن العباس قال له: إن هذا قد مرث (أي وسخوه بإدخال أيديهم فيه) أفلا أسقيك من بيوتنا، قال: لا، ولكن اسقني مما يشرب منه الناس – انتهى. وعند أحمد (ج ١: ص ٣٢٠، ٣٣٦) بسند ضعيف، قال ابن عباس: جاء النبي - صلى الله عليه وسلم - عباسًا فقال: اسقونا، فقال: إن هذا النبيذ شراب قد مغث ومرث، أفلا نسقينك لبنًا أو عسلاً؟ قال: اسقونا مما تسقون منه الناس (قال: اسقني) زاد أبو علي بن السكن في روايته ((فناوله العباس الدلو)) (فشرب منه) قال الحافظ في رواية يزيد المذكورة ((فأتى به فذاقه فقطب ثم دعا بماء فكسره)) قال: وتقطيبه إنما كان لحموضته وكسره بالماء ليهون عليه شربه وعرف بهذا جنس المطلوب شربه إذ ذاك، وقد أخرج مسلم من طريق بكر بن عبد الله المزني. قال: كنت جالسًا مع ابن عباس فقال: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفه أسامة فاستسقى فأتيناه بإناء من نبيذ فشرب وسقى فضله أسامة وقال: أحسنتم، كذا فاصنعوا (ثم أتى زمزم وهم يسقون) أي الناس عليها (ويعملون فيها) أي يكدحون بالجذب والصب (فإنكم على عمل أي قائمون أو ثابتون أي تسعون على عمل (صالح) أي خير (لولا أن تغلبوا) بضم أوله على البناء للمجهول، أي لولا كراهة أن يغلبكم الناس ويأخذوا هذا العمل الصالح من أيديكم (لنزلت) أي عن ناقتي، قال التوربشتي: أعلمهم النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الذي يكدحون فيه من سقاية الحاج بمكان من العمل الصالح لحب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يشاركهم فيه غيره أنه لا يأمن عليهم إن فعل ذلك غائلة الولاة وتنافسهم وتنازعهم فيه حرصًا على حيازة هذه المأثرة لمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورغبته فيها فتغلبوا عليها وينتزع عنكم فهذا هو المانع الذي صدني عن النزع معكم – انتهى. وقال الحافظ: معناه لولا أن يغلبكم الناس على هذا العمل إذا رأوني قد عملته لرغبتهم في الإقتداء بي فيغلبوكم بالمكاثرة لفعلت. ويؤيد هذا ما أخرج مسلم من حديث جابر: أتى النبي - صلى الله عليه وسلم - بني عبد المطلب وهم يسقون على زمزم فقال: انزعوا بني عبد المطلب، فلولا أن يغلبكم الناس على سقايتكم لنزعت معكم، واستدل بهذا على أن سقاية الحاج خاصة ببني العباس. وقال ابن بزيزة: أراد بقوله ((لولا أن تغلبوا)) قصر السقاية عليهم وأن لا يشاركوا فيها، واستدل به على أن الذي أرصد للمصالح العامة لا يحرم على النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا على آله تناوله، لأن العباس أرصد سقاية زمزم لذلك، وقد شرب منها النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال ابن المنير في الحاشية: يحمل الأمر في مثل هذا على أنها مرصدة للنفع العام فتكون للغني في معنى الهدية وللفقير صدقة (حتى أضع) بالنصب والرفع (وأشار إلى عاتقه) هو أحد طرفي رقبته، قال الحافظ: في الحديث من الفوائد أنه لا يكره طلب السقي من الغير ولا رد ما يعرض على المرء من الإكرام إذا عارضته مصلحة أولى منه، لأن رده لما عرض عليه العباس مما يؤتى به من نبيذ لمصلحة التواضع التي ظهرت من شربه مما يشرب منه الناس. وفيه الترغيب في سقي

<<  <  ج: ص:  >  >>