للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال يوم فتح مكة: " إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق السماوات والأرض،

ــ

الإسلام، وقال السهيلي: كان عينًا على الأنصار دون غيرهم، ويؤده مبياعتهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة العقبة على أن يؤووا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وينصروه، فيخرج من قولهما أنه كان عينًا على الطائفتين، كفاية في حق غيرهم، ومع ذلك فليس في حق الطائفين على التعميم، بل في حق الأنصار إذا طرق المدينة طارق، وفي حق المهاجرين إذا أريد قتال أحد من الكفار ابتداء، ويؤيد هذا ما وقع في قصة بدر فيما ذكره ابن إسحاق فإنه كالصريح في ذلك، وقيل كان عينًا في الغزوة التي يخرج فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - دون غيرها، والتحقيق أنه كان عينًا على من عينه النبي - صلى الله عليه وسلم - في حقه ولو لم يخرج. الحال الثاني بعده - صلى الله عليه وسلم - فهو فرض كفاية على المشهور إلا أن تدعو الحاجة إليه كأن يدهم العدو، ويتعين على من عينه الإمام، ويتأدى فرض الكفاية بفعله في السنة مرة عند الجمهور، ومن حجتهم: أن الجزية تجب بدلاً عنه، لا تجب في السنة أكثر من مرة اتفاقًا، فليكن بدلها كذلك، وقيل: يجب كلما أمكن، وهو قوي، والذي يظهر أنه استمر على ما كان عليه في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أن تكاملت فتوح معظم البلاد وانتشر الإسلام في أقطار الأرض ثم صار إلى ما تقدم ذكره، والتحقيق أيضًا أن جنس جهاد الكفار متعين على كل مسلم إما بيده وإما بلسانه وإما بماله وإما بقلبه – انتهى. وسيأتي مزيد الكلام في ذلك في شرح هذا الحديث في آخر الفصل الأول من كتاب الجهاد، ويأتي هناك بسط أحكام الجهاد إن شاء الله تعالى (وقال يوم فتح مكة) قال القاري: أعاده تأكيدًا أو إشارة إلى وقوع هذا القول وقتًا آخر من ذلك اليوم والله تعالى أعلم – انتهى. قلت: اللفظ المذكور لمسلم رواه في الحج عن إسحاق بن إبراهيم عن جرير وروى البخاري هذا الحديث في باب لا يحل القتال بمكة من كتاب الحج من طريق عثمان بن أبي شيبة عن جرير بلفظ ((فإذا استنفرتم فانفروا فإن هذا بلد)) إلخ. أي ليس فيه قوله ((وقال يوم فتح مكة)) قال الحافظ: الفاء أي في قوله ((فإن هذا)) جواب شرط محذوف تقديره إذا علمتم ذلك فاعلموا أن هذا بلد حرام، وكأن وجه المناسبة أنه لما كان نصب القتال عليه حرامًا كان التنفير يقع منه لا إليه، ولما روى مسلم هذا الحديث عن إسحاق عن جرير فصل الكلام الأول من الثاني بقوله ((وقال يوم الفتح: إن الله حرم)) إلى آخره. فجعله حديثًا آخر مستقلاً، وهو مقتضى صنيع من اقتصر على الكلام الأول كعلي بن لمديني عن جرير كما سيأتي في الجهاد – انتهى. (إن هذا البلد) أي مكة يعني حرمها. قال القاري: أو المراد بالبلد أرض الحرم جميعها (حرمه الله) أي حكم بتحريمها وقضاه، وظاهره أن حكم الله تعالى في مكة أن لا يقاتل أهلها ويؤمن من استجار بها ولا يتعرض له، وهو أحد أقوال المفسرين في قوله تعالى: {ومن دخله كان آمنًا} (سورة آل عمران: الآية ٩١) وقوله: {أو لم يروا أنّا جعلنا حرمًا آمنًا} (سورة العنكبوت: الآية ٦٧) (يوم خلق السموات والأرض) يعني أن تحريمه أمر قديم وشريعة سالفة مستمرة وحكمه تعالى قديم لا يتقيد بزمان

<<  <  ج: ص:  >  >>