للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه صرف ولا عدل، ذمة المسلمين واحدة

ــ

الآية ٥٢) (محدثًا) بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول، فمعنى الكسر: من نصر جانيًا وآواه وأجاره من خصمه وحال بينه وبين أن يقتص منه. ومعنى الفتح هو الأمر المبتدع نفسه. ويكون معنى الإيواء فيه الرضا به والصبر عليه، فإنه إذا رضي ببدعته وأقر فاعله عليها ولم ينكرها فقد آواه، قاله العيني. وقال القاري: بكسر الدال على الرواية الصحيحة أي مبتدعًا، وقيل: أي جانيًا بأن يحول بينه وبين خصمه أن يقتص منه، ويروى بفتح الدال أي أمرًا مبتدعًا، وإيواؤه الرضاء به والصبر عليه فعليه) أي فعلى كل منهما (لعنة الله) أي طرده وإبعاده (والملائكة) أي دعاؤهم عليه بالبعد عن رحمته (والناس أجمعين) قال الحافظ: قوله ((فعليه لعنة الله)) إلخ، فيه جواز لعن أهل المعاصي والفساد لكن لا دلالة فيه على لعن الفاسق المعين. وفيه أن المحدث والمؤوي للمحدث في الإثم سواء. قال عياض: واستدل بهذا على أن الحدث في المدينة من الكبائر لأن اللعنة لا تكون إلا في كبيرة، والمراد بلعنة الملائكة والناس المبالغ في الإبعاد عن رحمة الله، فإن اللعن في اللغة هو الطرد والإبعاد. قال: والمراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه في أول الأمر وليس هو كلعن الكافر الذي يبعد من رحمة الله كل الإبعاد. وقال ابن بطال: دل الحديث على أن من أحدث حدثًا أو آوى محدثًا في غير المدينة أنه غير متوعد بمثل ما توعد به من فعل ذلك بالمدينة وإن كان قد علم أن من آوى أهل المعاصي إنه يشاركهم في الإثم، فإن من رضي فعل قوم وعملهم التحق بهم ولكن خصت المدينة بالذكر لشرفها ولكونها مهبط الوحي وموطن الرسول عليه الصلاة والسلام. ومنها انتشر الدين في أقطار الأرض فكان لها بذلك مزيد فضل على غيرها. وقال غيره: السر في تخصيص المدينة بالذكر أنها كانت إذ ذاك موطن النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم صارت موضع الخلفاء الراشدين ((لا يقبل منه صرف ولا عدل) بفتح أولهما، وفي رواية ((لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلاً)) ، واختلف في تفسيرهما فعند الجمهور الصرف الفريضة والعدل النافلة، ورواه ابن خزيمة بإسناد صحيح عن الثوري وعن الحسن البصري بالعكس، وعن الأصمعي الصرف التوبة والعدل الفدية، وقيل غير ذلك. قال عياض: معناه لا يقبل قبول رضى وإن قبل قبول جزاء، وقيل يكون القبول هنا بمعنى تكفير الذنب بهما، وقد يكون معنى الفدية هنا أنه لا يجد يوم القيامة فداء يفتدي به بخلاف غيره من المذنبين بأن يفديه من النار بيهودي أو نصراني كما رواه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري (ذمة المسلمين) أي عهدهم وأمانهم واحدة) أي إنها كالشيء الواحد لا يختلف باختلاف المراتب، ولا يجوز نقضها لتفرد العاقد بها، وكان الذي ينقض ذمة أخيه كالذي ينقض ذمة نفسه، وهي ما يذم الرجل على إضاعته من عهد وأمان كأنهم كالجسد الواحد الذي إذا اشتكى بعضه اشتكى كله، قاله القاري. وقال الحافظ: ذمة المسلمين واحدة أي أمانهم صحيح فإذا آمن الكافر واحد من المسلمين حرم على غيره التعرض له، وللأمان شروط معروفة، وقال البيضاوي: الذمة العهد سمي بها لأنه يذم متعاطيها

<<  <  ج: ص:  >  >>