للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

يصلي بالناس بمنأ إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف، فنزلت وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك على أحد.

ــ

خمس عشرة. قال أحمد: إنه الصواب (بمنأ) مذكر مصروف إن قلت علم للمكان، وغير منصرف إن قلت علم للبقعة. قال النووي: فيه لغتان الصرف والمنع، ولهذا يكتب بالألف والياء، والأجود صرفها وكتابتها بالألف، سميت بها لما يمنى بها من الدماء أي: تراق (إلى غير جدار) في محل النصب على الحال، والتقدير يضلى متوجها إلى غير جدار، يعني إلى غير سترة، نقله البيهقي عن الشافعي، وبوب عليه "باب من صلى إلى غير سترة" ويؤيده رواية البزار بلفظ "والنبي - صلى الله عليه وسلم - يصلي المكتوبة، ليس شيء يستره" لكن البخاري بوب على حديث ابن عباس هذا "باب سترة الإمام سترة لمن خلفه" وهذا مصير منه إلى أن الحديث محمول على أنه كان هناك سترة. قال الحافظ: كأن البخاري حمل الأمر في ذلك على المألوف المعروف من عادته - صلى الله عليه وسلم - أنه كان لا يصلي في الفضاء إلا والعنزة أمامه. ثم أيد ذلك بحديثي ابن عمر وأبي جحيفة، (يعني المذكورين أول الباب) وأوردهما عقيب حديث ابن عباس هذا. وقال العيني: استنبط البخاري ذلك من قوله "إلى غير جدار" لأن لفظ غير يشعر بأن ثمة سترة لأنها تقع دائماً صفة، وتقديره" إلى شيء غير جدار" وهو أعم من أن يكون عصا أو عنزة أو غير ذلك- انتهى. قلت: حمل البخاري لفظ الغير على النعت، والبيهقي على النفي المحض، وما اختاره البخاري هنا أولى، فإن التعرض لنفى الجدار خاصة يدل على أنه كان هناك شيء مغاير للجدار، لأنه إذا لم يكن هناك جدار ولا غيره لم يكن في التعرض لنفى الجدار خاصة فائدة. وقال الطيبي: فإن قلت: قوله "إلى غير جدار" لا ينفي شيئاً فكيف فسره (الشافعي) بالسترة، قات: إخبار ابن عباس عن مروره بالقوم، وعن عدم جدار مع أنهم لم ينكروا عليه وأنه مظنة إنكار، يدل على حدوث أمر لم يعهد قبل ذلك من كون المرور مع عدم السترة غير منكر، فلو فرض سترة أخرى لم يكن لهذا الإخبار فائدة، إذ مروره حينئذٍ لا ينكره أحد أصلا- انتهى. قال القاري: يمكن إفادته أن سترة الإمام سترة للقوم كما فهم البخاري- انتهى. وأما رواية البزار التي فيها "ليس شيء يستره" فليس المراد فيها نفي السترة مطلقاً، بل أراد نفى السترة التي تحول بينهم وبينه كالجدار المرتفع الذي يمنع الرؤية وقد صرح بمثل هذا العراقي (فمررت) أي: راكبا (بين يدي بعض الصف) هو مجاز عن القدام لأن الصف لا يد له. والمراد الصف الأول، ففي البخاري في الحج "حتى سرت بين يدي بعض الصف الأول" (ترتع) بمثناتين فوقيتين مفتوحتين وضم العين، أي: تأكل ما تشاء، من رتعت الماشية ترتع رتوعا. وقيل تسرع في المشي (فلم ينكر) على صيغة المعلوم (ذلك) أي: مشية بأتانه وبنفسه بين يدي بعض الصف (على أحد) أي: لا النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا غيره ممن كانوا معه، لا في الصلاة ولا في بعدها. قال ابن دقيق العيد: استدل ابن عباس بترك الإنكار على الجواز، ولم يستدل بترك إعادتهم للصلاة، لأن ترك الإنكار أكثر فائدة. قال الحافظ: وتوجيهه أن ترك الإعادة يدل على صحتها فقط لا على جواز المرور، وترك الإنكار يدل على جواز المرور وصحة الصلاة معا. ويستفاد منه أن ترك الإنكار حجة على الجواز بشرطه، وهو انتفاء الموانع من الإنكار وثبوت العلم بالإطلاع على الفعل. ولا يقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>