للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

التاركين، وابن الهمام، والعيني وغيرهم من أصحابنا فليس بمبرهن عليها بما يشفى العليل ويروى الغليل. وقال أيضا: الانصاف في هذا المقام أنه لا سبيل إلى رد روايات الرفع برواية ابن مسعود وفعله وأصحابه ودعوى عدم ثبوت الرفع. ولا إلى رد روايات الترك بالكلية، ودعوى عدم ثبوته، بل يوفى كل من الأمرين حظه، ويقال: كل منهما ثابت، وفعل الصحابة والتابعين مختلف، وليس أحدهما بلازم يلام تاركه مع القول برجحان ثبوت الرفع عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - انتهى. وذهب بعضهم إلى كون الأمرين ثابتين عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عدم الجزم برجحان أحد من الطرفين. قال صاحب البدر الساري (ج١: ص٢٦١) : لعلك علمت أن العمل في هذا الباب بالنحوين ونفي الترك باطل. بقي أن الرفع أكثر أو الترك؟ فلم يجزم الشيخ - يعني شيخه الشاه محمد أنور الكشميري - فيه بشيء، ولو تبين له لم يحكم به لسراية الاجتهاد في هذا الباب، الخ. وإنما أطلنا الكلام في تفصيل آرائهم، وذكر أقوالهم لتقف على تخبطهم في هذه المسألة وتباين آرائهم، وتناقض أقوالهم فيها. وهذا هو شأنهم في أكثر المسائل الشرعية كما لا يخفى على من طالع كتب الفقه للحنفية، ولم يكن حاجة إلى رد القول بالنسخ بعد هذا التناقض الذي رأيته في أقوالهم، فإنهم قد كفونا بأنفسهم رداً لهذا القول الباطل لكن لما اشتهر في متأخريهم القول بالنسخ والاستدلال عليه نذكر دلائلهم مع بيان ما فيها من الخلل والخطل، فاعلم أن الذين قالوا بكراهة الرفع، وذهبوا إلى نسخ جوازه قد استدلوا على ذلك بحديث جابر بن سمرة، قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن يعني رافعي أيدينا في الصلاة، فقال: ما بالهم رافعين أيديهم في الصلاة كأنها أذناب خيل شمس؟ اسكنوا في الصلاة. أخرجه أحمد، ومسلم وأبوداود والنسائي من طريق تميم بن طرفة، عن جابر. وأجيب عنه بأنه لا دليل فيه على منه الرفع على الهيئة المخصوصة في المواضع المخصوصة وهو الركوع، والرفع منه؛ لأنه مختصر من حديث طويل كما سنبينه. قال النووي: المراد بالرفع المنهى ههنا رفع أيديهم عند السلام مشيرين إلى السلام من الجانبين، كما صرح به في الرواية الأخرى- انتهى. وقال الشوكاني: الحديث ورد على سبب خاص، فإن مسلماً رواه أيضاً من حديث جابر بن سمرة - من طريق عبيد الله بن القبطية - قال: إذا كنا صلينا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقلنا: السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، وأشار بيديه إلى الجانبين فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: علام تؤمون بأيديكم كأنها أذناب خيل شمس؟ إنما يكفي أحدكم أن يضع يديه على فخذيه، ثم يسلم على أخيه من يمينه وشماله. وفي رواية: إذا سلم أحدكم فليلتفت إلى صاحبه ولا يومئ بيده. وقال ابن حبان: ذكر الخبر المتقصي للقصة المختصرة المتقدمة بأن القوم إنما أمروا بالسكون في الصلاة عند الإشارة بالتسليم دون رفع الثابت عند الركوع، ثم رواه كنحو رواية مسلم، وفي رواية النسائي: كنا نصلي خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - فنسلم بأيدينا. قال الشيخ أبوالحسن محمد بن عبد الهادي السندي الحنفي: أي في الصلاة، وبهذه الرواية تبين أن الحديث مسوق للنهي عن رفع الأيدي عند السلام إشارة إلى الجانبين، ولا دلالة فيه على النهي عن الرفع عند الركوع وعند الرفع منه، ولذا قال النووي:

<<  <  ج: ص:  >  >>