للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرق بين حجاب الحرة والأمة]

المجيب سامي بن عبد العزيز الماجد

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

أصول الفقه / الأحكام وأدلتها/أدلة الأحكام

التاريخ ٠١/٠٧/١٤٢٥هـ

السؤال

ما العلة في تخصيص الأمة بعدم ارتداء الحجاب؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فالأصل أن الحجاب للحرائر، أما الإماء فالأصل أنه لا يجب عليها تغطية وجهها ولا رأسها، والحكمة في هذا التخفيف عن الإماء هو ـ والله أعلم ـ لأجل ابتذالهن بالبيع والشراء، واستخدامِهن في المهنة، وهي محتاجة في مثل هذا إلى أن تكشف عن وجهها ورأسها وكفيها.

ولذا فرق بعض أهل العلم ـ كما في الإنصاف ١/٤٥٠ ـ بين الأمة البَرْزَة (وهي التي تبرز كثيراً كالرجل، وبين الأمة الخَفْرَة (وهي التي لا تظهر غالباً، وإنما تكون في البيت) .

ولذا فرَّق ابن القيم بين إماء الاستخدام والابتذال، وبين إماء التسري اللاتي جرت العادة بصونهن وحجبهن، فقال رحمه الله ـ إعلام الموقعين ٢/٤٦ ـ: "وأما تحريم النظر إلى العجوز الحرة الشوهاء القبيحة، وإباحته إلى الأمة البارعة الجمال فكذب على الشارع, فأين حرم الله هذا وأباح هذا؟ والله سبحانه إنما قال: {قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم} لم يطلق الله ورسوله للأعين النظر إلى الإماء البارعات الجمال, وإذا خشي الفتنة بالنظر إلى الأمة حرم عليه بلا ريب, وإنما نشأت الشبهة أن الشارع شرع للحرائر أن يسترن وجوههن عن الأجانب, وأما الإماء فلم يوجب عليهن ذلك, لكن هذا في إماء الاستخدام والابتذال , وأما إماء التسري اللاتي جرت العادة بصونهن وحجبهن.

فأين أباح الله ورسوله لهن أن يكشفن وجوههن في الأسواق والطرقات ومجامع الناس وأذن للرجال في التمتع بالنظر إليهن؟ فهذا غلط محض على الشريعة " ا. هـ كلامه رحمه الله.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية (مجموع الفتاوى ١٥/٣٧٢) : "ثبت في الصحيح: {أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل بصفية قال أصحابه: إن أرخى عليها الحجاب فهي من أمهات المؤمنين، وإن لم يضرب عليها الحجاب فهي مما ملكت يمينه، فضرب عليها الحجاب} وإنما ضرب الحجاب على النساء لئلا ترى وجوههن وأيديهن. والحجاب مختص بالحرائر دون الإماء، كما كانت سنة المؤمنين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه أن الحرة تحتجب والأمة تبرز، وكان عمر رضي الله عنه إذا رأى أمة مختمرة ضربها، وقال: أتتشبهين بالحرائر أي لكاع. فيظهر من الأمة رأسها ويداها ووجهها".

ثم قال رحمه الله: "وكذلك الأمة إذا كان يخاف بها الفتنة كان عليها أن ترخي من جلبابها وتحتجب، ووجب غض البصر عنها ومنها. وليس في الكتاب والسنة إباحة النظر إلى عامة الإماء ولا ترك احتجابهن وإبداء زينتهن، ولكن القرآن لم يأمرهن بما أمر الحرائر، والسنة فرقت بالفعل بينهن وبين الحرائر، ولم تفرق بينهن وبين الحرائر بلفظ عام، بل كانت عادة المؤمنين أن تحتجب منهم الحرائر دون الإماء، واستثنى القرآن من النساء الحرائر القواعد فلم يجعل عليهن احتجاباً، واستثنى بعض الرجال وهم غير أولي الإربة، فلم يمنع من إبداء الزينة الخفية لهم لعدم الشهوة في هؤلاء وهؤلاء، فأن يستثنى بعض الإماء أولى وأحرى، وهن من كانت الشهوة والفتنة حاصلة بترك احتجابها وإبداء زينتها. وكما أن المحارم أبناء أزواجهن ونحوه ممن فيه شهوة وشغف لم يجز إبداء الزينة الخفية له، فالخطاب خرج عاماً على العادة، فما خرج عن العادة خرج به عن نظائره، فإذا كان في ظهور الأمة والنظر إليها فتنةٌ وجب المنع من ذلك، كما لو كانت في غير ذلك. وهكذا الرجل مع الرجال والمرأة مع النساء: لو كان في المرأة فتنة للنساء وفي الرجل فتنة للرجال، لكان الأمر بالغض للناظر من بصره متوجهاً كما يتوجه إليه الأمر بحفظ فرجه. فالإماء والصبيان إذا كن حسانا تختشى الفتنة بالنظر إليهم كان حكمهم كذلك كما ذكر ذلك العلماء" انتهى كلامه رحمه الله.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>