للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[التمذهب واتباع الدليل]

المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

أصول الفقه /الاجتهاد والتقليد

التاريخ ٢٣/٠٦/١٤٢٥هـ

السؤال

أنا رجل مسلم زائرٌ يوميٌّ لموقعكم "موقع الإسلام اليوم". فأشكر كل من يعمل في هذا الموقع الذي يطلع عليه الناس من نواحٍ شتى؛ ليجدوا الحل لمشكلاتهم، وأدعو الله أن يجزي كل من يعمل على هذا الموقع أحسن الجزاء. ففضيلة الشيخ عندي سؤال واحد. أتمنى منكم أن تردوا عليه في أقرب وقت.

فيا فضيلة الشيخ العلماء وجمعياتهم كثيرة عندنا، ولكنهم مختلفون في آرائهم. فبعض العلماء يزعمون أن تقليد أحد المذاهب الأربعة واجب على كل مسلم، وكذلك لو رأى أحدٌ - إن كان عالماً أو عامياً - الأدلةَ القاطعةَ من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ضد مذهبه المُتَّبَعِ فلا يجوز له أيضا الفعل به؛ لأن أئمة المذهب رأوا من الأحاديث التي لم نرها في العصر الحالي، ولكن لما أمعنتُ نظري إلى موقعكم فقرأتُ فيه مرةً (إذا وَجد مُتَّبِعُ المذهب دليلاً قاطعاً من أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ضد مذهبه فعليه أن يَعمل حسبَ حديثِ النبي -صلى الله عليه وسلم-) ، فمثلا أنا متبع المذهب الشافعي، ففي هذا المذهبِ القنوتُ في صلاة الفجر مِن أبعاضِ السنة للصلاةِ. فلذلك لو نَسي أحدٌ أن يَقنتَ في الصبح فعليه أن يسجد للسهو. ولكن إذا نظرنا إلى الأحاديث التي عندنا الآن لا نستطيع أن نرى فيها الأمرَ للقنوت مِن طرفِ النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا من أصحابه الكرام- رضي الله عنهم-، فالقنوت أمر لم يَفعله صلى الله عليه وسلم، فتركُ القنوتِ أحسنُ على ما فهمتُ من موقعكم؛ لأنا لا نستطيع أن نَستدلّ بأي من الأحاديث للقنوت، ولكنَّ بعضَ العلماء يقولون: لا يجوز لشافعيٍّ أن يَترك القنوتَ، ويتبع حديثَ النبي -صلى الله عليه وسلم- الذي ضد مذهبه؛ لأن الناس في العصر الحديث مُقلِّدون وليسوا بمجتهدين، فماذا يفعل المؤمنُ إذا رأى حديثاً ضد مذهبه؟ أعينوني بالإفتاءِ على هذه القضية في أقرب وقت. والله الموفق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الواجب على جميع المكلفين- في سائر الأزمان - اتباع الأدلة الشرعية من الكتاب، وما صحّ عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والمصير إلى ما تدل عليه، وليس لقول أي أحدٍ من الناس -مهما كان علمه وقدره- وزن مع قول الله أو قول رسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا وجدنا قولاً لأحد العلماء يعارض قول الله أو قول رسوله -صلى الله عليه وسلم- فإننا نضرب به عرض الحائط، وهذا الأمر هو معنى ما ورد عن عدد من أئمة الإسلام التي تفيد طرح أقوالهم وفتاواهم إذا خالفت الأدلة الشرعية كالإمام مالك والشافعي وغيرهم.

ولكن إذا لم يكن الإنسان من أهل النظر في الأدلة الشرعية، وتمييز الصحيح منها من الضعيف، وليس من أهل استنباط الأحكام من الأدلة، فإنه يجوز له أن يقلد أحد الأئمة المشهود لهم بالعلم والورع؛ لأن هؤلاء العامة لا يستطيعون النظر والاجتهاد، ومن أجل ألاّ يختار أحدهم الأسهل والأهون من أقوال أهل العلم من المذاهب المختلفة، ولذلك فإنه يُلزم باتباع مذهب من مذاهب أهل العلم المعتبرة.

أما طلاب العلم والقادرون على النظر في الأدلة والاجتهاد في النوازل والحوادث فإن الواجب عليهم النظر في الأدلة والعمل بما يوافقها وطرح ما يخالفها؛ لأن الواجب على جميع المكلفين معرفة الأحكام الشرعية بأدلتها، ولكن تُرك هذا الأمر في حق عامة الناس لعدم قدرتهم عليه؛ لأن الله -سبحانه وتعالى -يقول:" لا يكلف الله نفساً إلا وسعها" [البقرة: ٢٨٦] ، فيبقى الأمر على ما هو عليه فيمن عداهم من أهل العلم وطلابه.

وبهذا يتضح أن الشخص العامي الذي لا يستطيع النظر في الأدلة يجوز له أن يقلّد أحد الأئمة المجتهدين المشهود لهم بالعلم والصلاح، ويتبعه في كل ما لم يعلم بطلانه، أما إذا علم بطلان قوله في أي مسألة من المسائل، بأن تبين له فيها دليل يخالف قول إمامه فإن الواجب عليه العمل بما دل عليه الدليل، ولا يجوز له حينئذٍ الاستمرار على ما ذهب إليه إمامه؛ لأن التقليد إنما جاز لهذا العامي؛ لأنه جاهل بالدليل، أما إذا عرفه أو أٌخبر به وجب عليه ترك التقليد والعمل بالدليل؛ لعدم الحاجة إلى التقليد.

وهنا يجب التنبيه إلى أن العامي لا يسوغ له ترك مذهب إمامه في أي مسألة من المسائل، وإنما يتركه عندما يظهر له دليل صحيح صريح يخالف مذهب إمامه، ويتبعه فيما عدا ذلك. أما إذا لم يظهر له دليلٌ يدل على خلاف ما ذهب إليه إمامه، فإنه لا يجوز له أن يخالف إمامه؛ لأنه لا يخالفه حينئذٍ عن علم، وإنما مستنده في ذلك الهوى، واتباع الهوى لا يجوز.

على أنه يجب علينا أن نحسن الظن بأئمة الإسلام وعلمائه عندما نجد لهم أقوالاً تخالف أدلة الكتاب والسنة، ونعتذر لهم بأن هذه الأدلة لم تبلغهم أو لم تصح عندهم؛ لأنهم لو بلغتهم هذه الأدلة وصحَّت عندهم فإنهم -ومن دون شك- سيصيرون إليها وسيقولون بمقتضاها.

والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>