للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الفرق بين التورية والتقية]

المجيب د. محمد بن عبد الله القناص

عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم

أصول الفقه /السياسة الشرعية

التاريخ ١٠/٠٤/١٤٢٦هـ

السؤال

ما الفرق بين التورية والتقية؟.

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وبعد:

المراد بالتقية أن المسلم إذا خشي على نفسه الهلاك أو الضرر فله أن يتقي الكفار والفسقة والظلمة بما يُظهر لهم من المداراة والمصانعة، ويكون باطنه ونيته على خلاف ذلك، ومثل ذلك إذا أكره على الكفر فيتلفظ بلسانه، وقلبه مطمئن بالإيمان، قال الله سبحانه وتعالى: "لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللهِ الْمَصِيرُ" [آل عمران:٢٨] ، قال ابن جرير: (إلا أن تتقوا منهم تقاة: إلا أن تكونوا في سلطانهم فتخافوهم على أنفسكم، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم، وتضمروا لهم العداوة، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر، ولا تعينوهم على مسلم بفعل) .

وروي عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أنه قال: (إِنَّا لَنَكْشِرُ فِي وُجُوهِ أَقْوَامٍ وَإِنَّ قُلُوبَنَا لَتَلْعَنُهُمْ) أخرجه البخاري معلقا في كتاب الأدب باب المداراة مع الناس، ووصله هناد في الزهد (١٢٥٠) وأبو نعيم ١/٢٢٢ والبيهقي في الشعب (٨١٠٣) .

وقال الحسن: (التقية جائزة للمؤمن إلى يوم القيامة) أخرجه ابن أبي شيبة (٣٣٠٤٢) ، [ينظر: تفسير ابن كثير (٢/٢٧) ] .

وقال الله تبارك وتعالي: "مَن كَفَرَ بِاللهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ"، قال ابن كثير: (اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاء لمهجته، ويجوز له أن يأبى كما فعل بلال) . [ينظر: تفسير ابن كثير (٤/٢٢٨) ] .

وأما التورية فمعناها: أن يذكر لفظاً يحتمل معنيين أحدهما أقرب من الآخر فيوهم إرادة القريب وهو يريد البعيد، وقد جاء في الحديث: "لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ غَزْوَةً إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا" أخرجه البخاري (٢٩٤٧) ، ومسلم (٢٧٦٩) من حديث كعب بن مالك. أي أوهم بغيرها، وقال إبراهيم عليه السلام: "يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ وَإِنَّ هَذَا سَأَلَنِي فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي فَلَا تُكَذِّبِينِي" أخرجه البخاري (٣٣٥٨) ، ومسلم (٢٣٧١) ، فإذا احتاج المسلم إلى التورية أو المعاريض ففيها مندوحة عن الكذب وعن التقية. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>