للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثمة أمر آخر وهو أن الإنسان بطبيعته وفطرته يحتاج إلى تمثيل المعاني في صور محسوسة، فعلى سبيل المثال عندما يحب المرء إنسانا فتلك مشاعر قلبية وحقائق معنوية، غالباً ما يسعى المرء بفطرته إلى التعبير عنها في صور مادية ليست مغرقة في المادية، لكنها تشير إلى الرمزية الدالة على هذه المعاني، فقد يكتب له رسالة يذكر له فيها بعض مشاعره، أو ينظم له قصيدة يثني عليه فيها، أو يهديه هدية ذات مغزى؛ قد لا تكون ثمينة في قيمتها لكنها جليلة في معناها ودلالتها.

وهكذا حال طبيعة الإنسان أن يجسد سائر المعاني والمشاعر في صورة حسية، والله -جل وعلا- عالم بالإنسان، ألم يقل: "ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير" [الملك:١٤] ، وقد جعل تعظيم العبد لله -عز وجل- وإعلانه لخضوعه له واستكانته لأمره؛ جعله -سبحانه وتعالى- في صورة محسوسة؛ لكي تكون دلالتها الرمزية تحقق معنى العبودية، وتشبع العاطفة والميل الإنساني إلى التعبير عن هذه المعاني في صور حسية، ومن عظمة ذلك ومزيته أن الله -عز وجل- جعله؛ وجعل هذه الرمزية في كمال لا يمكن أن يكون إلا في التشريع الرباني.

الكعبة والبيت الحرام وغيرها إنما هي معان وصور حسية رمزية لحقائق معنوية، فالعبادة والخضوع لله وتعظيم القلب لله، فالقلب ممتلئ بالخوف من الله والتوكل عليه وحسن الظن به والثقة به والإنابة إليه، ولكن ذلك يترجم في ذكر يذكر به الله، أو تلاوة تتلى لله، أو صورة يكون فيها ركوع وسجود لله، وجعلت الكعبة في العبادة -وبالذات في الصلاة- مركزا للتعظيم والتوقير والإجلال لا لذاتها وإنما لعبادة الله، وجعلت واحدة في مكان واحد؛ لتعطي أيضاً مع معنى التعبد معنى الدلالة على منهج الوحدانية لله -عز وجل-.

<<  <  ج: ص:  >  >>