للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لقد نهى الله عن موالاة الكفار نهيًا صريحًا، ولكن ليس من التولي في شيء اللعب معهم والتبسم لهم، ومخالقتهم بالخلق الحسن، كما ليس من مقتضى البراءة منهم أن نظلمهم ونسيء إليهم ونُضارّهم ونمنعهم حقهم، وإنما توجب البراءة كره ما هم عليه من الكفر، وموالاتهم المحرمة هي إعانتهم على المسلمين وحب ظهورهم على الإسلام وأهله، أو حمايتهم من المسلمين إذا طلبوهم بحق. وأما الإحسان إليهم والتحبب إليهم بكريم الأخلاق والمعاملة بالحسنى والبشاشة في وجوههم، بقصد تحبيبهم إلى الإسلام ودعوتهم إليه فهو مشروع، وعلى ذلك يدل هدي النبي صلى الله عليه وسلم، فقد عاد جاره اليهودي وأهداه. أخرجه البخاري (١٣٥٦) . كما يدل على مشروعيته قوله تعالى: (لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) [الممتحنة: ٨] . والشاهد قوله: "أن تَبَرّوهم"، وعموم قوله تعالى: (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِيهِيَ أَحْسَنُ) [النحل: ١٢٥] . والدعوة إلى الإسلام والترغيب فيه لا ينحصر طريقه بالخطاب الوعظي المباشر، بل له طرقه المتشعبة إن لم يُجدِ بعضها أجدى بعضها الآخر، منها الخطاب الوعظي المباشر، ومنها كذلك التودد والإحسان، والتلطف والترغيب بالإهداء والإرفاق والممازحة، والإعانة، والإغاثة، ونحن نعجب ممن يعيش بين ظهراني المشركين وهو يريد أن يعتزلهم اعتزالاً تامًّا، ظنًّا منه أن هذا هو مقتضى البراءة، ويتحرج أن يشاركهم بعض المشاركة المباحة كاللعب والخوض معهم في بعض الأحاديث تقوية للعلاقة ونفوذًا إلى قلوبهم! وتأمل كيف أن الله لم ينهنا عن القعود مع الذين يخوضون في آياته بالاستهزاء واللمز إذا خاضوا في أحاديث أخرى لا تمس الدين بسخرية، ولا المؤمنين بأذى؛ "وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>