للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حديث (ما نزل بلاء إلا بذنب)]

المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني

عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى

التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها

التاريخ ٢٥/٧/١٤٢٣هـ

السؤال

هناك أثر يقول:"ما نزل بلاء إلا بذنب ولا رفع إلا بتوبة"، فهل هذا الأثر حديث أم قول لأحد السلف؟

الجواب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على إمام الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه والتابعين، أما بعد:

فجواباً على سؤالك أقول - وبالله التوفيق-: الحكمة القائلة "ما نزل بلاء إلا بذنب، ولا رفع إلا بتوبة "، لم أجده من كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- وإنما وجدته مروياً عن العباس بن عبد المطلب عم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضي الله عنه - فأخرج الدينوري في (المجالسة رقم ٧٢٧) ، وابن عساكر في (تاريخ دمشق - مجلد ترجمة العباس - رضي الله عنه - ١٨٤ - ١٨٥) ، بأسانيد واهية شديدة الضعف، أنه كان من ضمن دعاء العباس في استسقائه: "اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب، ولم يكشف إلا بتوبة".

إلا أن هذه الحكمة حق لا مرية فيها، وتواترت نصوص الكتاب والسنة في الدلالة عليها، فكل عقوبات الله -تعالى- العامة للأمم المذكورة في كتاب الله -تعالى- كانت بسبب الكفر والمعاصي، وفي ذلك يقول الله -تعالى-:"كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأَخَذَهُمُ اللَّهُ بِذُنُوبِهِمْ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ" [آل عمران:١١] ، وقال -تعالى-:"أَلَمْ يَرَوْا كَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ قَرْنٍ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّنْ لَكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاءَ عَلَيْهِمْ مِدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِنْ بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ" [الأنعام:٦] ، وقال -تعالى-:"أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ أَهْلِهَا أَنْ لَوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُمْ بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ" [الأعراف:١٠٠] ، وبين الله -تعالى- أثر الإيمان والتقوى والاستغفار في حصول الخير لأهل الأرض، فقال -تعالى-:"وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" [لأعراف:٩٦] ، وفي دعوة نوح -عليه السلام- يقول -تعالى-:"فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً" [نوح: ١٠- ١٢] ، وقال -تعالى-: "وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ" [الطلاق: ٢ - ٣] . إلى غير ذلك من آيات كثيرة جداً، وفي الصحيحين (صحيح البخاري رقم (٧٥٠٧) ، وصحيح مسلم (٢٧٥٨) ، في الحديث القدسي، أن الله -تعالى- يقول:"أذنب عبدي ذنباً فعلم أن له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب ... ".

وعن ثوبان - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إن الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ... " أخرجه ابن ماجة (رقم ٩٠، ٤٠٢٢) ، وابن حبان في صحيحه (٨٧٢) ، والحاكم وصححه (١/٤٩٣) قال البوصيري في (مصباح الزجاجة رقم ٣٣) :"سألت شيخنا أبا الفضل العراقي - رحمه الله - عن هذا الحديث، فقال: هذا حديث حسن".

وهو كما قال العراقي، فأقل أحواله الحسن.

وفي حديث بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "لن يهلك الناس حتى يعذروا من أنفسهم" أخرجه الإمام أحمد (٤/٢٦٠) (٥/٢٩٣) وأبو داود رقم (٤٣٤٧) بإسناد صحيح، وفي تفسير قوله -صلى الله عليه وسلم-:"حتى يعذروا" قال أبو عبيد في غريب الحديث (١/١٣١) يقول:"حتى تكثر ذنوبهم وعيوبهم".

وعن جبير بن نفير - رضي الله عنه - قال: لما فتحت مدائن قبرس وقع الناس يقتسمون السبي ويفرقون بينهم ويبكي بعضهم على بعض فتنحى أبو الدرداء ثم احتبى بخمائل سيفه، فجعل يبكي فأتيته، فقلت: ما يبكيك يا أبا الدرداء؟! أتبكي في يوم أعزَّ الله فيه الإسلام وأهله وأذل فيه الكفر وأهله؟!! فضرب على منكبيه، ثم قال: ثكلتك أمُّك يا جبير ابن نفير!! ما أهون الخلق على الله إذا تركوا أمره!!! بينما هي أمّةُ قاهرة ظاهرة على الناس، لهم الملك، حتى تركوا أمر الله، فصاروا إلى ما ترى، وإنه إذا سلط السباء على قوم فقد خرجوا من عين الله، وليست لله بهم حاجة" أخرجه الإمام أحمد في (الزهد رقم ٧٦٢) ، وسعيد بن منصور في سننه - واللفظ له - (٢/٢٩٠ - ٢٩١ رقم ٢٦٦٠) ، وابن أبي الدنيا في (العقوبات رقم ٢) بإسناد صحيح.

أسأل الله -تعالى- أن يوفقنا لما رضيه، وأن يجعل أعمالنا خالصة له، والله أعلم.

والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

<<  <  ج: ص:  >  >>