للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[صحة حديث: "من مات يوم الجمعة ... "]

المجيب د. سعد بن عبد الله الحميد

أستاذ الدراسات العليا بجامعة الملك سعود

التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها

التاريخ ١٥/١/١٤٢٥هـ

السؤال

ما صحة حديث أن من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة وقاه الله عذاب القبر؟

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:

فهذا تخريج لحديث: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر"، وبيان لدرجته التي خلاصتها: أنه حديث ضعيف، لا يصح من طريق، ولا يتقوى بمجموع طرقه، وهذا ظاهر صنيع البخاري -رحمه الله -؛ حين ترجم في كتاب الجنائز من "صحيحه" (٣/٢٥٣- الفتح) بقوله: (باب موت يوم الإثنين) ، ثم أخرج برقم (١٣٨٧) حديث موت أبي بكر -رضي الله عنه-، فقال: حدثنا مُعَلّى بن أسد؛ قال: حدثنا وُهَيْب، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: دخلت على أبي بكر -رضي الله عنه-، فقال: في كم كَفّنْتم النبي -صلى الله عليه وسلم-؟ قالت: في ثلاثة أثوابٍ بيضٍ سَحولِيّة، ليس فيها قميص ولا عمامة. وقال لها: في أي يوم توفي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟ قالت: يوم الإثنين، قال: فأي يوم هذا؟ قالت: يوم الإثنين، قال: أرجو فيما بيني وبين الليل، فنظر إلى ثوب عليه كان يمرّض فيه به رَدْعٌ من زعفران، فقال: اغسلوا ثوبي هذا، وزيدوا عليه ثوبين فكفِّنوني فيها. قلت: إن هذا خَلِق، قال: إن الحيّ أحقّ بالجديد من الميت، إنما هو للمُهْلَة. فلم يُتَوَفّ حتى أمسى من ليلة الثلاثاء، ودُفِن قبل أن يصبح.

قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري ٣/٢٥٣) : قوله: "باب موت يوم الإثنين": قال الزين ابن المنيِّر: تعيين وقت الموت ليس لأحد فيه اختيار، لكن في التسبب في حصوله مدخل؛ كالرغبة إلى الله لقصد التبرك، فمن لم تحصل له الإجابة أثيب على اعتقاده. وكأن الخبر الذي ورد في فضل الموت يوم الجمعة لم يصح عند البخاري، فاقتصر على ما وافق شرطه، وأشار إلى ترجيحه على غيره. والحديث الذي أشار إليه [يعني: ابن الْمُنَيِّر] أخرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- مرفوعًا: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر"، وفي إسناده ضعف، وأخرجه أبو يعلى من حديث أنس -رضي الله عنه- نحوه وإسناده أضعف. اهـ.

وقال العيني في "عمدة القاري" (٨ / ٢١٨) : أي: هذا باب في بيان فضل الموت يوم الإثنين. فإن قلت: ليس لأحد اختيار في تعيين وقت الموت، فما وجه هذا؟ قلت: له مدخل في التسبب في حصوله؛ بأن يرغب إلى الله لقصد التبرك، فإن أجيب فخير حصل، وإلا يثاب على اعتقاده. اهـ.

وقال عن مناسبة الحديث للترجمة: (مطابقته للترجمة: من حيث إن النبي - صلى الله عليه وسلم- كانت وفاته يوم الإثنين، فمن مات يوم الإثنين يرجى له الخير لموافقة يوم وفاته يوم وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم-، فظهرت له مزيّة على غيره من الأيام بهذا الاعتبار ... ) ، ثم ذكر حديث عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- الذي ذكره ابن حجر، ثم قال: (فلذلك لم يذكره البخاري فاقتصر على ما وافق شرطه) .

وحديث فضل الموت يوم الجمعة هذا ورد من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص، وأنس، وجابر -رضي الله عنه-.

أما حديث عبد الله بن عمرو: فأخرجه الإمام أحمد في (المسند ٢/١٦٩) ، والترمذي في "الجامع" (١٠٧٤) والطحاوي في (شرح مشكل الآثار ص٢٧٧) ، وابن منده في "تعزية المسلم ص١٠٨) من طريق هشام بن سعد، عن سعيد ابن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف، عن عبد الله بن عمرو؛ قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر".

وأخرجه عبد الرزاق في (المصنف ٥٥٩٦) عن ابن جريج، عن ربيعة بن سيف، عن عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- عن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال: "برئ من فتنة القبر".

وابن جريج معروف بالتدليس، ولم يصرح هنا بالسماع.

قال الترمذي: (هذا حديث غريب) ؛ يعني أنه ضعيف، يوضحه قوله بعد ذلك: (وهذا حديث ليس إسناده بمتصل؛ ربيعة بن سيف إنما يروي عن أبي عبد الرحمن الْحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما-، ولا نعرف لربيعة بن سيف سماعًا من عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما-) .

وقد خولف هشام بن سعد في هذا الإسناد، فرواه الليث بن سعد، واختلف عليه.

فأخرجه الطحاوي في (شرح المشكل ص ٢٧٩) من طريق يونس بن عبد الأعلى، عن عبد الله بن وهب، عن الليث، عن ربيعة بن سيف: أن عبد الرحمن بن قحزم أخبره: أن ابنًا لفياض بن عقبة توفي يوم جمعة، فاشتد وجده عليه، فقال له رجل من أهل الصدق: يا أبا يحيى، ألا أبشرك بشيء سمعته من عبد الله بن عمرو- رضي الله عنهما- سمعته يقول: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول ... ، فذكره.

ثم أخرجه الطحاوي (٢٨٠) فقال: حدثنا محمد بن عبد الله بن عبد الحكم؛ حدثنا أبي وشعيب بن الليث، عن الليث؛ حدثنا خالد _ يعني ابن يزيد _، عن ابن أبي هلال، عن ربيعة بن سيف: أن عبد الرحمن بن قحزم أخبره: أن ابنًا لفياض بن عقبة، ثم ذكر مثله سواء.

وأخرجه البيهقي في "إثبات عذاب القبر ص ١٥٥) من طريق يعقوب بن سفيان عن أبي صالح عبد الله بن صالح كاتب الليث وأبي بكر _ غير منسوب _، كلاهما عن الليث بمثل رواية ابن عبد الحكم.

وكان الطحاوي أعلّ الحديث أوّلاً (١/ ٢٥٠) بمثل إعلال الترمذي، ثم قال: عن هذا الإسناد: (وزاد [يعني ابن عبد الحكم] على يونس في إسناده إدخاله بين الليث وبين ربيعة بن سيف: خالد بن يزيد وسعيد ابن أبي هلال، وهو أشبه عندنا بالصواب _ والله أعلم _، فوقفنا بذلك على فساد إسناد هذا الحديث، وأنه لا يجوز لمثله إخراج شيء مما يوجب حديث عائشة -رضي الله عنها- دخوله فيه) .

وحديث عائشة -رضي الله عنها- الذي ذكره الطحاوي هو الحديث الأصل الذي أورده في أول الباب، وهو قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن للقبر لضغطة، لو كان أحد ناجيًا منها؛ نجا سعد بن معاذ"، ولأجله ضعّف حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- الذي فيه: "وقاه الله فتنة القبر".

ومع ما تقدم من العلل: فإن ربيعة وإن كان صدوقًا، فإنه ضعيف من قبل حفظه، فقد قال عنه البخاري في (التاريخ الكبير ٣/٢٩٠) : ((عنده مناكير)) ، وقال في (الأوسط) (١٤٦٤) : ((وروى ربيعة بن سيف المعافري الإسكندراني أحاديث لا يتابع عليه)) ، وقال النسائي في رواية: ((ليس به بأس)) ، وقال في أخرى: ((ضعيف)) ، وقال الدارقطني في (سؤالات البرقاني ص ١٥٣) : ((صالح)) ، وذكره ابن حبان في (الثقات ٦/٣٠١) ، وقال: ((يخطئ كثيرًا)) ، وقال ابن يونس: ((في حديثه مناكير)) ، وقال العجلي في (تاريخه) (٤٦٣) : ((ثقة)) . انظر (تهذيب التهذيب ص٣/ ٢٢١) .

وقد عدّ الذهبي هذا الحديث من مناكير هشام بن سعد، حين قال في (الميزان ٧/٨١) : (ومن مناكيره ما ساق الترمذي له عن سعيد بن أبي هلال عن ربيعة بن سيف ... ) ، ثم ذكر هذا الحديث.

وله طريق آخر عن عبد الله بن عمرو-رضي الله عنهما-: أخرجه الإمام أحمد (٢/١٧٦و٢٢٠ رقم ٦٦٤٦ و٧٠٥٠) ، وعبد بن حميد (٣٢٣) والطبراني في (الأوسط، ٣١٠٧) ، والدارقطني في "الغرائب والأفراد" كما في (أطرافه، ٣٥٨٥) ، وابن منده في (تعزية المسلم ص ١٠٦ و ١٠٧) ، والبيهقي في (إثبات عذاب القبر، ص ١٥٦) من طريق معاوية بن سعيد التجيبي، عن أبي قَبيل، عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما-قال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "من مات في يوم الجمعة _ أو ليلة الجمعة _ وُقي فتنة القبر".

قال الدارقطني: (تفرد به معاوية بن سعيد، عن أبي قبيل) .

وسنده ضعيف؛ فيه معاوية بن سعيد التجيبي ولم يوثق من إمام معتبر، وإنما ذكره البخاري في (تاريخه ٧ / ٣٣٤ رقم ١٤٤١) ، وابن أبي حاتم في (الجرح والتعديل ٨/٣٨٤ رقم ١٧٥٥) ، وسكتا عنه، وذكره ابن حبان في (الثقات ٩/١٦٦) وقال: (من أهل مصر يروي المقاطيع) ، ولذا قال عنه ابن حجر في (التقريب ٦٧٥٧) : (مقبول) .

وروي موقوفًا على عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما-: أخرجه البيهقي في "إثبات عذاب القبر ص ١٥٧) من طريق ابن وهب؛ أخبرني ابن لهيعة، عن سنان بن عبد الرحمن الصدفي: أن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- كان يقول: من توفي يوم الجمعة _ أو ليلة الجمعة _ وُقي الفتان.

وأما حديث أنس بن مالك -رضي الله عنه-: فأخرجه أبو يعلى (٤١١٣) _ ومن طريقه ابن عدي في "الكامل ص ٧/ ٩٢) _ من طريق عبد الله بن جعفر، عن واقد بن سلامة، عن يزيد بن أبان الرقاشي، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "من مات يوم الجمعة وقي عذاب القبر".

وسنده ضعيف جدًّا؛ فيه يزيد بن أبان الرقاشي ضعيف كما في "التقريب ص ٧٦٨٣) .

والراوي عنه واقد _ ويقال: وافد (بالفاء) _ ابن سلامة وهو ضعيف أيضًا. انظر لسان الميزان ٦/٢١٥ رقم ٧٥٤) .

والراوي عنه عبد الله بن جعفر يظهر أنه والد علي بن المديني، وهو ضعيف أيضًا كما في "التقريب ٣٢٥٥) .

وله طريق أخرى أخرجها ابن منده في "تعزية المسلم ١٠٩) من طريق الحسين ابن علوان، عن أبان بن أبي عياش، عن أنس بن مالك - رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "لا ينجو من ضغطة القبر إلا شهيد أو مصلوب أو من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة".

لكنها متابعة أوهى من سابقتها، فالحسين بن علوان كذاب يضع الحديث كما في (الكامل) لابن عدي (٢/٣٥٩) .

وأبان ابن أبي عياش متروك كما في "التقريب ص ١٤٢) .

وأما حديث جابر -رضي الله عنه-: فأخرجه أبو نعيم في "الحلية ٣/١٥٥) من طريق عمر بن موسى بن الوجيه، عن محمد بن المنكدر، عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة أجير من عذاب القبر، وجاء يوم القيامة عليه طابع الشهداء".

وفي سنده عمر بن موسى بن وجيه وهو يضع الحديث أيضًا. انظر "لسان الميزان ٤/٣٣٢_٣٣٣) . وللحديث طرق أخرى مراسيل وفيها مجاهيل، لا يعتضد بشيء منها، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>