للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[عدم قبول صلاة شارب الخمر]

المجيب د. الشريف حاتم بن عارف العوني

عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى

التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/تصحيح الأحاديث والآثار وتضعيفها

التاريخ ٧/٥/١٤٢٤هـ

السؤال

هل صحيح أن من شرب خمراً وسكر لا تقبل الصلاة منه لمدة أربعين يوماً، وأنه إن مات خلال الأربعين يوماً يكون كعابد وثن، وردت تلك الأحاديث في كتاب (الكبائر) للذهبي في موقع الوراق؟.

الجواب

جواباً عن سؤال من سأل عن صحة حديث فيه أن من شرب خمراً وسكر لا تقبل منه صلاة لمدة أربعين يوماً، وأنه إن مات خلال الأربعين يوماً يكون كعابد وثن، وعزاه السائل إلى كتاب (الكبائر) للذهبي، أقول وبالله التوفيق:

صح من حديث عبد الله بن عَمرو - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " من شرب الخمر فسكر لم تُقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكر، لم تُقبل له صلاة أربعين صباحاً فإن مات دخل النا ر، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد فشرب فسكر لم تُقبل له صلاة أربعين صباحاً، فإن مات دخل النار، فإن تاب تاب الله عليه، فإن عاد الرابعة كان حقاً على الله أن يسقيه من طينة الخَبال يوم القيامة " قالوا: يا رسول الله ما طينة الخبال؟ قال: " عُصارة أهل النار " ـ أخرجه الإمام أحمد (رقم ٦٦٤٤، ٦٦٥٩، ٦٧٧٣،٦٨٥٤) ، والنسائي (رقم ٥٦٦٤، ٥٦٧٠) ،وابن ماجة (رقم ٣٣٧٧) ، وابن خزيمة (رقم ٩٣٩) ، وابن حبان (رقم ٥٣٥٧) ، والحاكم وصححه (١/٣٠-٣١، ٢٥٧) (٤/١٤٦) ، وأما حديث:" مدمن الخمر كعابد وثن " فقد اختلف فيه تصحيحاً وتضعيفاً، والراجح ضَعْفُه من جميع وجوهه، فانظر (العلل) لابن أبي حاتم (رقم ١٥٥٣، ١٥٩١) ، و (التاريخ الكبير) للبخاري (١/١٢٩) (٣/٥١٥) ، و (شعب الإيمان) للبيهقي (٥/١٢-١٣رقم ٥٥٩٧ - ٥٥٩٨) ، (والعلل المتناهية) لابن الجوزي (رقم ١١١٦-١١٢١) ، وأما من صححه كابن حبان (رقم ٥٣٤٧) ، والضياء (١٠/٣٣٠) فتأولوا الحديث وفسروه بأقوال:

منها: أن المشبه بعابد الوثن هو المستحل له المعتقد أنه حلال مع علمه بتحريم الله تعالى له (وهو تفسير ابن حبان له) .

ومنها: أن وجه الشبه، هو: حبوط عمله كحبوط عمل الكافر، أي أنه لا يُثاب على القربات (وهو تفسير طاووس بن كيسان أحد علماء التابعين، كما في (المجتبي) للنسائي رقم ٥٦٦٥) .

ومنها: أن المدمن والكافر سواءٌ في مطلق التعذيب بالنار، ولا يلزم استواؤهما في كل شيء، فإن الكافر مخلّد في النار، وأما عُصاة المؤمنين فلا يخلدون، ثم هم مُعرضون لعفو الله ورحمته.

ومنها: أن مدمن الخمر في اتباعه لهواه ومخالفته أمر الله -تعالى- كعابد الوثن، وقد قرن الله - تعالى- بين الخمر وعبادة الأوثان، فقال - تعالى-: " يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون " [المائدة: ٩٠] .

ومنها: أن تعلق قلب مدمن الخمر بالخمر يشبه تعلق قلب عابد الوثن بالوثن، كما قال - تعالى- عن اليهود: " وأُشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم" [البقرة: ٩٣] .

وعلى هذه المعاني يُحمل قول عبد الله بن عمر - رضي الله عنه -: " من شرب الخمر فلم يِنْتشِ لم تقبل له صلاةٌُ ما دام في جوفه أو عروقه منها شيءٌُُ، وإن مات مات كافراً، وإن انتشى لم تقبل له صلاة أربعين ليلة، وإن مات فيها مات كافراً " أخرجه النسائي (رقم ٥٦٦٨) ، وأما عزو السائل للحديث إلى كتاب (الكبائر) للذهبي، فهذه فرصة للتنبيه على أمر مهم بخصوص هذا الكتاب، فإن كتاب (الكبائر) طبع عدة طبعات، ومنه نسخة طبعت بتحقيق الشيخ محمد عبد الرزاق حمزة - رحمه الله -، وبتحقيق عبد الرحمن فاخوري، وطُبع بتحقيق غيرهما وهي طبعات لا تُمثل كتاب الذهبي في (الكبائر) ففي نسبة تلك الطبعات للإمام الذهبي شكٌ كبير، وبيَّن ذلك واستدل له الأستاذ محي الدين مستو في الطبعة التي بتحقيقه لكتاب (الكبائر) للذهبي، وطبعته هذه هي التي تمثل كتاب الذهبي فعلاً.

وقد نظرت في كتاب (الكبائر) للذهبي بتحقيق محيي الدين مستو، فلم أجد فيها الحديث المسؤول عنه! ، وليس هذا بأول حديث ضعيف أو باطلٍ يوجد في الطبعة المنسوبة خطاً للذهبي، ففيها - غيره- كثير!!. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>