للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما الترافع إلى القوانين الوضعية كما هو حاصل في كثير من بلاد المسلمين ودعوى أنها مأخوذة من الكتاب والسنة والمشهور من قولي المالكية فإن كانت هذه الأحكام يستدل لها بالكتاب والسنة وأدلة التشريع الأخرى المعروفة في أصول الفقه فلا يضرها تسميتها قوانين، وإن كان يقال قال المشرع الفرنسي، أو الألماني، أو نحو ذلك، فما ينفعها أن قيل إنها موافقة للكتاب والسنة، إذ إن واضعيها لم يقصدوا موافقتها للكتاب والسنة، ولا شك أن الحكم بغير ما أنزل الله إذا كان الحاكم يعتقد أنه الأفضل أن ذلك كفر يقول الله -عز وجل-:"فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً" [النساء:٦٥] .

وقال -عز وجل-:" ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون" [المائدة:٤٤] وحينئذ فهل يحل الترافع أمام هذه المحاكم التي تحكم بالقوانين الوضعية؟

من المعلوم أنه قد تكون القضية لمسلم معروضة على محكمة لا تحكم بكتاب الله ولا بسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ويكون المسلم مظلوماً في هذه القضية وليس بالإمكان عرض القضية لدى محكمة تحكم بالكتاب والسنة ولو ترك المسلم دون ترافع عنه لوقع عليه الظلم، وربما أفضى به ذلك إلى أن يقتل، أو يسجن، أو يؤخذ ماله، أو غير ذلك من العقوبات، ففي هذه الحال يعد هذا في حقه إكراهاً، ويعد الترافع عنه من باب دفع الظلم عنه ومن نصرته وهو أمر متعين؛ لحديث "انصر أخاك" (سبق تخريجه) ، ولحديث "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ... " البخاري (٢٤٤٢) الحديث رواه مسلم (٢٥٦٤) .

وفي الصحيحين من حديث ابن عمر "المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يسلمه" (نفس الحديث السابق) ومعنى لا يسلمه، أي: لا يتركه مع من يؤذيه ولا فيما يؤذيه، بل ينصره ويدفع عنه. قال ابن حجر في (فتح الباري) : "وقد يكون ذلك واجباً، وقد يكون مندوباً بحسب اختلاف الأحوال".

<<  <  ج: ص:  >  >>