للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الشك في أحاديث الصحيحين]

المجيب د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى

عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم

التصنيف الفهرسة/ السنة النبوية وعلومها/مسائل في مصطلح الحديث والجرح والتعديل

التاريخ ٢٥/٠٤/١٤٢٧هـ

السؤال

هل يجوز رفض حديث وارد في صحيح البخاري أو في صحيح مسلم على ضوء الحجج التالية:

١- الشك في رواية الحديث.

٢- القبول بأن الحديث صحيح، لكن بسبب عدم التمكن من فهمه، أو أنه يعارض حديثاً صحيحاً آخر فيتأتى رفضه؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فإن التعامل مع الصحيحين الذي ورد طرف منه في السؤال يجب التفريق فيه بين من له دراية بعلم الحديث وأهليته، وبين عامة الناس، بل ربما يقال حتى من طلبة العلم الذين ليس لديهم الأهلية في علم الحديث.

فأما المشتغلون بعلم الحديث فهؤلاء لهم أن يناقشوا قبول أي حديث حتى وإن كان في الصحيحين، ولكن ليس ببدعٍ من القول، وإنما على ضوء القواعد الحديثية المعروفة، ومن خلال كلام من تقدم من أهل العلم، وقد أشار الحافظ ابن حجر -رحمه الله- إلى ذلك في (مقدمة فتح الباري) وذكر أمثلة من الأحاديث المنتقدة على الصحيح، والإجابة عنها.

ومن أوائل من انتقد بعض أحاديث الصحيحين الإمام الدارقطني -رحمه الله- في (الإلزامات والتتبع) .

ومع هذا الذي ذكرت فإنني أنبه إلى أمور:

١- أن طالب العلم لا ينبغي له التعجل في هذا الباب والاستقلال بالحكم، فإن للصحيحين من المنزلة وتلقي الأمة لهما بالقبول ما ليس لغيرهما، ولذا فإنك تجد من علماء الحديث من لم يسلّم بهذه الانتقادات كلها سوى مواضع يسيرة منها كابن الصلاح، والنووي، وابن حجر وآخرين.

٢- أن الانتقاد الوارد على الصحيحين إنما هو في أحاديث معدودة نسبتها ضئيلة إلى جانب مجموع ما فيهما، ومع ذلك فكثير منها قد أجيب عنه كما تقدم.

٣-أن ما يمكن انتقاده على الصحيحين يكاد أن يكون قد فرغ منه، فقد مضى على تأليف الصحيحين أكثر من ألف عام، وما من حديث قد يتطرق إليه الانتقاد إلا ذُكر خلال هذه المدة، وستجد في المقابل من يجيب عن الانتقاد سواء كان ذلك من جهة السند أو المتن.

٤- -وهو أمر مهم- أن الغالب في الانتقادات الواردة كانتقادات الدارقطني -رحمه الله- إنما هو من جهة السند الذي ساقه صاحب الصحيح، مع أن متن الحديث ثابت من طرق أخرى، وكثير منها يسلّم به المنتقِد كالدارقطني. فإذاً لا يلزم من توجيه الانتقاد إلى حديث ما في أحد الصحيحين عدم ثبوته من وجه آخر.

٥- أن النظر العقلي المحض وردّ الروايات الصحيحة بدعوى مخالفتها للعقل -فحسب- ليس من منهج أهل السنة، فإنهم -وإن كانوا قد يناقشون المتن منفرداً عن السند- بيد أنهم لا يطلقون العنان للعقل المجرد كي يردّ ما شاء من صحيح المنقول، وإنما تَرِدُ المناقشة عندهم في المتن -حين يقتضي الحال ذلك- على ضوء النصوص الأخرى والقواعد الحديثية والأصولية والفقهية.

ولئن كان هذا في شأن أهل العلم، فهو في حق العامة أولى، إذ ليس لهم أن يردوا الأحاديث بدعوى عدم موافقتها للعقل، وأي عقل هذا الذي يتحاكم إليه؟ فإن عقول الناس وفهومهم مختلفة متفاوتة!

هذا ما يتعلق بالمتخصصين في هذا العلم أما غيرهم -لا سيما عامة الناس- فلا ينبغي لهم الخوض في قضية القبول والرفض لما في الصحيحين، بل عليهم أن يأخذوا بالأصل، وهو: قبول ما في الصحيحين، لتلقي الأمة لهما بالقبول والتسليم بصحة ما فيهما في الجملة.

أما ما أشير إليه في السؤال فإنما ينظر فيه أهل الاختصاص المشار إليهم أولاً، مع أن التعبير الأصح بدلاً من (الشك في رواية الحديث) (نقد الرواية) ، وأما عدم التمكن من فهم الحديث فليس عذراً في رفضه، بل يرجع إلى أهل العلم في فهمه من خلال الكتب أو السؤال، كما أن مخالفة حديث لآخر لا يلزم منها الرفض لأحدهما وردّ ما فيه، بل تجرى عليهما قواعد أهل العلم في الأحاديث التي ظاهرها التعارض، والله -تعالى- أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>