للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يدل على تحريم سائر أنواع المعازف، وخصّ الدليل الدف فيفرد عنها، ولكن هل تختص إباحة الدف بالأعراس فقط، أو يجوز أيضاً في الأعياد ونحوها، أم أنه مباح مطلقاً؟ هذه ثلاثة أقوال، الظاهر منها إباحته في الأعراس والأعياد ونحوها.

عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن امرأة أتت النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالت: يا رسول الله إني نذرت إن رجعت سالماً أن أضرب على رأسك الدف. قال:"أوفي بنذرك" سنن أبي داود (٣٣١٢) سنن الترمذي (٣٦٩٠) مسند أحمد (٥/٣٥٣) ، ولو كان محرماً لم يأذن به.

وعن عائشة -رضي الله عنها- أن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدفان وتضربان، والنبي -صلى الله عليه وسلم- متغشٍّ بثوبه، فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبي -صلى الله عليه وسلم- وجهه فقال:"دعهما يا أبا بكر فإنها أيام عيد" صحيح البخاري (٩٤٩) ومسلم (٨٩٢) ، ومثل ذلك اليوم الذي يلي العرس عن الربيَّع بنت معوَّذ -رضي الله عنها- قالت: دخل عليَّ النبي -صلى الله عليه وسلم- صبيحة بُني بي، فجعلت جويريات يضربن بدف لهن ويندبن من قتل من آبائي يوم بدر" الحديث، صحيح البخاري (٥١٤٧) .

إذاً لا يضرب بالدف إلا النساء على الصحيح من أقوال أهل العلم، فقد أمر به النبي -صلى الله عليه وسلم- النساء كما في حديث عائشة لما زفت امرأة إلى رجل من الأنصار قال:" فهل بعثتم معها جارية تضرب بالدف وتغني.." الحديث، الطبراني (١/١٦٧/١) وأصله في البخاري (٩/١٨٤) انظر إرواء الغليل (١٩٩٥) ، قال ابن قدامة:" في ضرب الرجال بالدف تشبه بالنساء، وقد لعن النبي المشتبهين من الرجال بالنساء" (المغني ١٤/١٥٩) .

وقال الحافظ ابن حجر:"الأحاديث القوية فيها الإذن في ذلك للنساء فلا يلتحق بهن الرجال لعموم النهي عن التشبه بهن" (فتح الباري ٩/١٣٤) .

أما استماعه في العرس ونحوه فهو مباح للرجال والنساء على السواء؛ للأدلة السابقة، وقد قال عامر بن سعد البجلي: دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود وجوار يضربن بالدف ويغنين، فقلت: تقرون على هذا وأنتم أصحاب محمد -صلى الله عليه وسلم-؟ قالوا: إنه قد رُخص لنا في العرسات" أخرجه الحاكم والبيهقي انظر (آداب الزفاف للألباني صـ١٨٢) .

والغناء المصاحب له إذا اشتمل على محرم أو منكر ووصف للفجور فهو محرم، وما لم يكن كذلك فهو مباح للنساء.

أما استماع الرجال له فإن كان من أمة مملوكة أو من صغيرة فهذا مباح كما تقدم من فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأبي بكر، أما الحرة البالغة فإنه ليس لها التغنج بصوتها ولا الغناء للرجال، أما لو وصل صوت النساء مجتمعات بحيث لا يتميز صوت معين منهن فلا بأس بسماعه، قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:"غناء الإماء الذي يسمعه الرجل قد كان الصحابة يسمعونه في العرسات كما كانوا ينظرون إلى الإماء لعدم الفتنة في رؤيتهن وسماع أصواتهن ... أما غناء الرجال للرجال فلم يبلغنا أنه كان في عهد الصحابة. يبقى غناء النساء للنساء في العرس، وأما غناء الحرائر للرجال بالدف فمشروع في الأفراح كحديث الناذرة وغناها مع ذلك، لكن نصب مغنية للنساء والرجال هذا منكر بكل حال، بخلاف من ليست صنعتها" (مجموع الفتاوى ٢٩/٥٥٢) .

<<  <  ج: ص:  >  >>