للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هل للابن الأكبر حقوق خاصة؟]

المجيب أحمد بن عبد الرحمن الرشيد

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/حقوق الوالدين والأقارب والأرحام

التاريخ ١٩/٠٩/١٤٢٥هـ

السؤال

هل للولد الأكبر ميزة شرعًا أو عرفًا على إخوته؟ وكيف يكون ذلك؟.

الجواب

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن الأخ الأكبر كغيره من الإخوة، لا يوجد فارق معتبر بينه وبين غيره من الإخوة والأخوات، والواجب على الأب والأم العدل بين أولادهم وبناتهم، ولا يجوز تفضيل بعضهم على بعض، ويدل على هذا الحكم ما روى النعمان بن بشير، رضي الله عنهما، حيث قال: تَصَدَّقَ عَلَيَّ أَبِي بِبَعْضِ مَالِهِ فَقَالَتْ أُمِّي عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ: لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَانْطَلَقَ أَبِي إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيُشْهِدَهُ عَلَى صَدَقَتِي، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَفَعَلْتَ هَذَا بِوَلَدِكَ كُلِّهِمْ؟ ". قَالَ: لَا. قَالَ: "اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا فِي أَوْلَادِكُمْ". فَرَجَعَ أَبِي فَرَدَّ تِلْكَ الصَّدَقَةَ. أخرجه البخاري (٢٥٨٧) ومسلم (١٦٢٣) . وفي لفظ قال: "فَارْدُدْهُ". أخرجه مسلم (١٦٢٣) . وفي لفظ قال: "لا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ". أخرجه البخاري (٢٦٥٠) ومسلم (١٦٢٣) . وفي لفظ قال: "فَأَشْهِدْ عَلَى هَذَا غَيْرِي". أخرجه مسلم (١٦٢٣) . وفي لفظ قال: "سَوِّ بَيْنَهُمْ". أخرجه النسائي (٣٦٨٦) . وهو دليل على التحريم; لأنه سماه جورًا, وأمر بردِّه, وامتنع من الشهادة عليه, والجور حرام، والأمر يقتضي الوجوب، ولأن تفضيل بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم, فمُنِعَ منه.

وهذا الحديث صريح في تحريم تفضيل بعض الأولاد على بعضٍ، فلا يجوز تمييز أحد الأولاد أو إحدى البنات بهدية أو عطية أو مال ونحو ذلك، إلا أن يكون أحد الأولاد متصفًا بصفةٍ لا توجد في غيره، كأن يكون أحدهم فقيرًا أو مريضًا أو ذا عيال أو نحو ذلك، ففي هذه الأحوال يجوز تفضيل من وجد فيه هذا الوصف؛ فيعطى المال من باب النفقة لا من باب الهبة والمنحة.

وبهذا يتبين أن الولد الأكبر مثل غيره من الإخوة والأخوات، إلا أن الولد الأكبر غالبًا ما يكون مع الأب في عمله ومساعدته وخدمته، وإذا كان الأمر كذلك فإنه يجوز للوالد أن يكافئ ولده هذا على عمله ومساعدته على غيره، وهذا التفضيل ليس عائدًا إلى كونه أكبر الأولاد، وإنما لأنه يعمل مع والده ويساعده، ولا شك أن هذا النوع من العمل يستحق من يقوم به أن يأخذ أجرًا عليه.

والولد الأكبر وإن كان مساويًا لبقية الإخوة، إلا أن له حقًّا على إخوته وأخواته، فيجب عليهم احترامه وتقديره وتوقيره؛ لأنه يشترك مع بقية الإخوة في رابطة الأخوَّة، ويزيد عليهم بتقدمه في السن، ولا شك أن الكبير في السن عمومًا يستحق التقدير والاحترام، فكيف إذا كان هذا الكبير أخًا.

وفي المقابل يجب على الأخ الكبير أن يكون رحيمًا بإخوته الأصغر منه، مهتمًّا بشئونهم، حريصًا على مصلحتهم ومنفعتهم؛ ليكون جميع الإخوة متحابين متوادين متعاطفين متعاونين على البر والتقوى، وبهذا يتحقق قول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "لَيْسَ مِنَّا مَن لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرنَا ويُوَقِّرْ كَبِيرَنَا". رواه الترمذي (١٩١٩) .

والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>