للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السفر الذي تُلزم المرأة فيه بمحرم

المجيب د. يوسف بن أحمد القاسم

عضو هيئة التدريس بالمعهد العالي للقضاء

التصنيف الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /محرم المرأة

التاريخ ٢٤/٠٩/١٤٢٥هـ

السؤال

الجامعة تبعد عن منزلي ٩٥ كلم، وأنا أنتقل مع زميلاتي في حافلة، فهل يعتبر ذلك سفرًا بدون محرم؟ أو بمعنى آخر: هل السفر بدون محرم له مسافة معينة أم لا؟ وما موقفنا من وجود الغناء في الحافلات والاختلاط في الجامعة؟

الجواب

الحمد لله وحده، وبعد:

فإذا كانت هذه المسافة (٩٥كم) داخل البلد، أو أغلبها كذلك، فإنها لا تعد سفرًا، أما إذا كانت هذه المسافة كلها، أو ما يزيد على (٨٩ كلم) هي حاصل المسافة من نهاية بنيان المدينة وحتى مبنى الجامعة، فهو يعد سفرًا، على قول جمهور أهل العلم، ويجب فيه المحرم حينئذ.

أما بالنسبة لوجود الغناء في الحافلة، فأنكري ذلك قدر استطاعتك إن أمكن بلسانك، وإلا فبقلبك، وذلك أضعف الإيمان، وأما الاختلاط في الجامعة فلا شك في خطره على الذكور والإناث، وإذا كانت النساء في عصر النبوة يتلقين العلم بمعزل عن الرجال مع قلة أسباب الفتنة، فما الظن بهذا العصر الذي كثرت فيه الفتن، وتعددت فيه أنواع الإغراء، وقلَّ فيه الوازع الديني؟! فعن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، قال: قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلَبنا عليك الرجال، فاجعل لنا يومًا من نفسك. فوعَدَهن يومًا لقيهن فيه، فوعَظهن وأمَرهن. رواه البخاري (١٠١) ومسلم (٢٦٣٣) . هكذا كان حرصهن، رضي الله عنهن، على تحصيل العلم، وعلى البعد عن أسباب الفتنة. ولا ريب أن واقع الجامعات المختلطة في البلاد العربية والإسلامية، واقع يندى له الجبين، ولا عجب في الحقيقة من هذا الواقع؛ لأنه نتيجة طبيعية لجوٍ أصبح مشحونًا بالمغريات والفتن، ولا ريب أنه لا يجوز الالتحاق بالجامعات المختلطة مع وجود جامعات تخلو من هذا النوع من الاختلاط، أما مع عدم وجود جامعات محافظة فإنه ربما أدى القول بمنع الالتحاق بتلك الجامعات إلى إقصاء أهل الخير والدين عن مراكز التوجيه في المجتمع، ولهذا فقد اختلف العلماء المعاصرون في هذه المسألة على قولين: الأول: أنه لا يجوز الالتحاق بها؛ لما فيها من الاختلاط المحرم، ولما فيه من التعرُّض للفتنة. والثاني: يرى جواز ذلك، ولكن بالضوابط الشرعية، بحيث يجتنب كل جنس مخالطة الآخر قدر الإمكان، وأن يهيئ كل جنس جلساء صالحين له من جنسه ما أمكن، وأن تحافظ المرأة على حجابها وحشمتها وحيائها داخل أروقة الجامعة وخارجها، وأن تجتنب الزينة والطيب عند ذهابها، وأن يستحضر الملتحق بهذه الجامعة النية الصالحة للدراسة، بأن تكون نيته تحصيل العلم، واكتساب المعارف، ونفع المسلمين ... إلخ، فإذا التزمت المرأة بهذه الضوابط جاز التحاقها، مع أمن الفتنة، أما إذا خشيت على نفسها من الفتنة أو خشيها الطالب على نفسه، فلا يجوز حينئذ، وبكل حال، فإنه إذا أمنت الفتنة، فالمسألة- كما تقدم- فيها رأيان للمعاصرين، ولكل حظ من النظر، وكل مسلم بصير بنفسه. والله تعالى نسأل أن يعيذنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن، وأن يثبتنا على دينه.. آمين. والله تعالى أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>