للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمكانة السنة من الدين ومنزلتها من القرآن الكريم عُني الصحابة - رضي الله عنهم- بحديث النبي - صلى الله عليه وسلم-، فحفظوا كلامه صلى الله عليه وسلم-، ووعوا ما شاهدوا من أفعاله وأحواله، وأحاطوا علماً بالظروف والملابسات التي قيلت فيها هذه الأحاديث، وقد بلغ من حرصهم على سماع الوحي والسنن من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أنهم كانوا يتناوبون في هذا السماع، روى البخاري في صحيحه عن عمر - رضي الله عنه- قال: "كنت أنا وجار لي من الأنصار في بني أمية بن زيد وهي من عوالي المدينة، وكنا نتناوب النزول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ينزل يوماً وأنزل يوماً، فإذا نزلت جئته بخبر ذلك اليوم من الوحي وغيره، وإذا نزل فعل مثل ذلك" أخرجه البخاري ح (٨٩) ، وكان إذا قدم على النبي - صلى الله عليه وسلم- وفد وعلمهم من القرآن والسنة أوصاهم بأن يحفظوا ويبلغوا، ففي صحيح البخاري أنه - صلى الله عليه وسلم- قال لوفد بني عبد القيس: "احفظوه وأخبروه من وراءكم" أخرجه البخاري ح (٨٧) ،وفي حديث مالك بن حويرث قال: "ارجعوا إلى أهلكم فعلموهم" أخرجه البخاري ح (٦٨٥) ، ومسلم (٦٧٤) ، وتثبت الصحابة واحتاطوا في قبول الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم- مسترشدين بكتاب الله - عز وجل- الذي أمر بالتثبت في قبول الأخبار قال سبحانه وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا"، وفي قراءة: "فتثبتوا" [الحجرات من الآية: ٦] ، ومستضيئين بسنة النبي - صلى الله عليه وسلم- التي حذرت من الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فكان أبو بكر - رضي الله عنه- أول من احتاط في قبول الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، روى ابن شهاب عن قبيصة بن ذؤيب أن الجدة جاءت إلى أبي بكر - رضي الله عنه- تلتمس أن تورث، فقال أبو بكر: ما أجد لك في كتاب الله شيئاً، وما علمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ذكر لك شيئاً، ثم سأل الناس؟ فقام المغيرة فقال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يعطيها السدس فقال له أبو بكر: هل معك أحد؟ فشهد محمد بن مسلمة بمثل ذلك فأنفذه لها أبو بكر - رضي الله عنه- أخرجه أبو داود ح (٢٨٩٤) ، والترمذي ح (٢١٠٠) ، وابن ماجة ح (٢٧٢٤) ، وتثبت عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- أيضاً في قبول الأخبار، من ذلك ما رواه الإمام البخاري عن أبي سعيد الخدري، قال: "كنت في مجلس من مجالس الأنصار إذ جاء أبو موسى كأنه مذعور، فقال: استأذنت على عمر ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت فقال: ما منعك؟ قلت استأذنت ثلاثاً فلم يؤذن لي فرجعت، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم-: "إذا استأذن أحدكم ثلاثاً فلم يؤذن له فليرجع"، فقال والله لتقيمن عليه بينة، أمنكم أحد سمعه من النبي - صلى الله عليه وسلم-؟ فقال أبي بن كعب: والله لا يقوم معك إلا أصغر القوم، فكنت أصغر القوم، فقمت معه فأخبرت عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم- قال ذلك" فقال عمر لأبي موسى: أما إني لم أتهمك، لكن خشيت أن يتقول الناس على رسول الله - صلى الله عليه وسلم-" أخرجه البخاري ح (٦٢٤٥) ، ومسلم ح (٢١٥٣) ، ومالك في الموطأ (٢/٩٦٤) ،وقوله: "أما إني لم أتهمك ... " ليس في الصحيحين وهو عند مالك في الموطأ، وفي رواية لمسلم أن أبي بن

<<  <  ج: ص:  >  >>