للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرط الثالث: العلم: ولا يكون العمل صالحاً إن لم يكن بعلم وفقه، كما قال عمر بن عبد العزيز: من عبد الله بغير علم كان ما يفسد أكثر مما يصلح، ولابد أن يكون الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر عالماً بحكم الشرع فيما يأمر به وينهى عنه.. فإن الحسن ما حسَّنه الشرع والقبيح ما قبحه.

الشرط الرابع:

القدرة: ولها أربع أحوال:

الحالة الأولى: أن يعلم أنه لا ينفع كلامه ويضر به إذا تكلم، فلا تجب عليه الحسبة، بل ربما تحرم في بعض المواضع، ولكن يلزمه عدم حضور مواضع المنكر والاعتزال في بيته، وعدم الخروج إلا لحاجة ملحة أو واجب، وعليه الهجرة إذا أرهق على الفساد وكان قادراً عليها.

الحالة الثانية: يعلم بأن المنكر يزول بقوله وفعله ولا يسبب له مكروهاً، فيجب الإنكار وهذه هي القدرة المطلقة.

الحالة الثالثة: أن يعلم أنه لا يفيد إنكاره لكنه لا يخاف مكروهاً، فلا تجب عليه الحسبة لعدم فائدتها، ولكن تستحب، لإظهار شعائر الإسلام وتذكير الناس بأمر الدين.

الحالة الرابعة: وهو أنه يعلم أنه سيصاب بمكروه ولكن يبطل المنكر بفعله، كأن يريق الخمر من يد الفاسق ولكن يعلم أنه يرجع إليه فيضرب رأسه، فهذا ليس بواجب وليس بحرام بل هو مستحب.

وقد قال الحسن البصري رحمه الله: (إنما يكلم مؤمن يرجى أو جاهل يعلم فأما من وضع سيفه أو سوطه فقال: اتقني اتقني فما لك وله؟) وقد روى ابن لهيعة عن الأعرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -:" لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه، قالوا: يا رسول الله وما إذلاله لنفسه؟ قال: يتعرض من البلاء لما لا يقوم به" الترمذي (٢٢٥٤) وابن ماجة (٤٠١٦) وحسنه الألباني.

قال ابن حجر: (وقال: بعضهم: يجب إنكار المنكر شريطة ألا يلحق بالمنكر بلاء لا قبل له به من قتل ونحوه) .

وقال آخرون: ينكر بقلبه لحديث أم سلمة -رضي الله عنها- مرفوعاً: "يستعمل أمراء بعدي فمن كره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع" مسلم (١٨٥٤) .

وقال: والصواب اعتبار الشرط المذكور ويدل عليه حديث: "لا ينبغي لمؤمن أن يذل نفسه" (سبق تخريجه) : ثم فسره بأن يتعرض من البلاء لما لا يطيق، وقال غير الطبري: (يجب الأمر بالمعروف لمن قدر عليه ولم يخف على نفسه ضرراً) .

معيار الموازنة عند كل من ابن قيم الجوزية وابن تيمية:

أ. عند ابن قيم الجوزية: يرى أن الموازنة بين إنكار المنكر ونتيجته تتمثل في أربع حالات.

١. أن يزول المنكر ويخلفه ضده.

٢. أن يقل المنكر وإن لم يزل بجملته.

٣. أن يخلف المنكر ما هو مثله.

٤. أن يخلف المنكر ما هو شر منه.

فالدرجتان الأوليان مشروعتان، والثالثة موضع اجتهاد، والرابعة محرمة.

حدود القدرة والاستطاعة:

<<  <  ج: ص:  >  >>