للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[النظر المحرم]

المجيب د. عبد الله بن عمر السحيباني

عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم

التصنيف الفهرسة/ الآداب والسلوك والتربية/مسائل متفرقة في الآداب والسلوك والتربية

التاريخ ١٤/٢/١٤٢٣

السؤال

يذكر أهل العلم النظر المحرم كمثال عند ذكر الذنوب الصغائر التي يكفرها الوضوء، والصلوات الخمس، والصيام، وغيرها من الأعمال، كما ورد في (تفسير ابن كثير) في معنى اللمم، وذكره أيضاً الإمام ابن القيم في (مدارج السالكين) عند الكلام عن أنواع الذنوب وأقسامها. والسؤال: هل النظر المحرم سواء في الحكم؟ بمعنى: هل النظر إلى امرأة في السوق وغيره من الأماكن العامة كالنظر إلى الصور العارية والخليعة في التلفاز والإنترنت؟ وإذا كان الحكم يختلف، فهل النظر إلى الصور الخليعة والعارية من الكبائر؟

الجواب

إن الله -سبحانه وتعالى- جعل العين مرآة القلب، فإذا غض العبد بصره غض القلب شهوته، وإذا أطلق العبد بصره أطلق القلب شهوته، فالنظرة تزرع في القلب الشهوة، لذلك أمر الله -سبحانه وتعالى- بغض الأبصار قبل حفظ الفروج، فقال -تعالى-: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون" [النور:٣٠] ، "وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ... " الآية [النور:٣١] .

فالنظر هو الباب الأكبر للقلب، والنظر المحرم بريد الزنا، ورائد الفجور، وداعية الفساد.

وكنت إذا أرسلت طرفك رائداً ... لقلبك يوماً أتعبتك المناظر

رأيت الذي لا كله أنت قادر ... عليه ولا عن بعضه أنت صابر

وغض البصر وحفظه من أعظم الأدوية لعلاج أمراض القلب، وفيه حسم لمادة المرض قبل حصوله، فإن النظر سهم مسموم من سهام إبليس، ومن أطلق لحظاته دامت حسراته.

كل الحوادث مبداها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر

كم نظرة فتكت في قلب صاحبها ... فتك السهام بلا قوس ولا وتر

فحفظ البصر وغضه واجب على المسلم بصريح أمر القرآن، والتساهل في غض البصر وإطلاق العنان للنظر المحرم لا يجوز "إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً" [الإسراء:٣٦] ، وقد ذكر ابن القيم -رحمه الله- كلاماً جميلاً مفيداً في فوائد غض البصر في (الجواب الشافي وفي روضة المحبين) ، كما ذكر جماعة من المفسرين فوائد أخرى (راجعها عند تفسير آية النور المتقدمة) .

والذي ينبغي أن يعلمه السائل وغيره أن الحكم في النظر يختلف بحسب ما يترتب عليه من الآثار وما يجر إليه من المفاسد، فليست النظرة العابرة مثل مداومة النظر وتكراره والتلذذ به والحرص عليه، لذلك قال الحسن بن الفضل في تفسير (اللمم) الوارد في قوله -سبحانه-: "الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم.." [النجم:٣٢] قال: اللمم: النظر من غير تعمد فهو مغفور، فإن أعاد النظر فليس بلمم، وهو ذنب.

<<  <  ج: ص:  >  >>