للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ودور التوعية والتحذير تُناط أول ما تناط بالمشرفين على تلك المواقع قبل غيرهم، بأن يلحّوا في تحذير الفتيات من مغبة الاسترسال ـ الذي لا تستدعيه الحاجة ـ في مراسلة من يدعي الرغبة في خِطبتهن، وأن مثل هذا كافٍ في الدلالة على أن الشاب الذي يماطل في التقدم لخِطبة الفتاة ليس جادّاً في مسألة الزواج، وأن المسألة لا تعدو لديه أن تكون مجرد تسلية أو تشهٍ!

كما أرى للمشرفين على تلك المواقع دوراً آخر لا يقل أهمية عن سابقهِ، وهو أن تكون رقابتهم صارمة على الإعلانات، وكما يقال في المثل الدارج (الكتاب يُعرف من عنوانه) ، فبعض الإعلانات التي تنشر في تلك المواقع يظهر من أسلوبها عدم جدية صاحبها في مسألة الزواج، كالتي تُكتب بأسلوب ساخر، ومثل هذه الإعلانات يتعين على المشرفين حذفها وحرمان صاحبها من الإعلان مرة أخرى.

أما بشأن سؤالك عن مراسلة الشاب للتعرف على شخصيته بتفصيل أوسع مما هو معلن في الموقع، فلا أرى ما يمنع ذلك، بل نرى فيه بديلاً آمناً عن العلاقات الآثمة، والتي هي مخالفة صريحة لنصوص الشريعة، ولعله أن يكون من الحلال الذي يغني عن الحرام.

ولكن قبل ذلك لا بد من أن نقف بك على جملة من الحقائق والنصائح، والتي إن أخذتِ بها فأحسبها مانعة ـ بإذن الله ـ لهذه المراسلة أن تكون ذريعةً إلى الحرام.

أولاً: تذكري حين يراسلك من يبدي لك الرغبة في خِطبتك أنه ليس بالضرورة أن يكون صادقاً، وأن الكذب والتدليس أمرٌ واردٌ في كلامه، بل احتمال ذلك قد لا يقل عن احتمال صدقه، فما شيء يمنعه منه! فإياك أن تنخدعي بمعسول الكلام، ولا بجميل الخصال التي يزعمها لنفسه، فتتعلقي به تعلُّق المعجب المحب، ولتكن نفسك متهيِّئةً لهذا الاحتمال ـ أعني احتمال كذبه وتدليسه ـ.

ولذا، فلا تحرصي عليه إن رأيته مقبلاً عليك، ولا تبدي أسفاً عليه إن رأيته مدبراً عنك، حتى تتحققي من صدق دعواه، والتحقق من صدقه مهمة لا يضطلع بها إلا وليّك، بالسؤال عنه والتحقق من أخلاقه وتدينه....إلخ.

ثانياً: اعلمي أن المقصود من مخاطبته هو التعرف على شخصيته وما يرغبه هو في مطلوبته من الصفات والطبائع....إلخ، وهذا المقصود حاصلٌ بالمراسلة وكفى، ولذا لا أرى من ضرورةٍ لمكالمته، سواء بالهاتف أو بواسطة برامج المحادثة الصوتية عبر الإنترنت، فهذه خطوة ليس لها ما يسوِّغها، ولا الحاجة تدعو لها، وأخشى أن تُفضي إلى مزالق وخيمة، والأذن تعشق قبل العين أحياناً!

فإياك إياك أن يصل بك الأمر إلى هذه الخطوة، التي أحسبها أول خطوة من خطوات الشيطان الذي لا يني في الأمر بالفحشاء والمنكر.

فإن وجدتِ من صاحبك إلحاحاً في طلب سماع صوتك ومكالمتك، فاعلمي أن هذه الرغبة والإلحاح قرينة ظاهرة على أن في نيته دخن وفي صدقه نظر، ولا أقترح عليك أن ترفضي طلبه هذا، ولكن ارفضي الطلب وطالبَه، واقطعي كل صِلة به.

ثالثاً: اجعلي مراسلتك له محصورة فيما يتعلق بموضوع الخِطبة وما يخدم موضوعها، وإياك أن تسترسلي معه في حديث غير هذا؛ وتذكري أن مراسلته إنما ساغت لأجل مصلحة الخِطبة فحسب.

فإن طال زمن مراسلته لك ولم يتقدم لخطبتك ولم يخطُ أولى خُطواتها، فاعلمي أن هذا الرجل إما كاذب، أو غير راغب، وكلاهما لست في حاجة بعدها للاسترسال في الحديث معه.

وفقك الله لكل خير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>