للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينما السماع الذي يعرض للإنسان بحيث يسمع أناساً أذن لهم في الغناء، كالنساء والصبيان في عرس مثلاً، ثم يصل صوته للشخص الذي لم يؤذن له بالسماع، كالرجال فإن الإنسان يؤمر بعدم الإصغاء والتلذذ بذلك، وأما مجرد وصول الصوت، فلا يؤمر الرجل بسد أذنيه، أو مغادرة مكان حفل العرس مثلاً؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أذن لعائشة - رضي الله عنها- أن ترقى على ظهره لتستمع إلى غناء الحبشة انظر: ما رواه البخاري (٩٥٠) ، ومسلم (٨٩٢) ، من حديث عائشة - رضي الله عنها- ومعلوم أن النبي - صلى الله عليه وسلم-، كان يسمع له، ولكن لم يكن يستمع له، ولهذا لم يقر النبي - صلى الله عليه وسلم- أبا بكر - رضي الله عنه- على إنكاره على وصول هذا الصوت إلى بيت النبي - صلى الله عليه وسلم- بل قال: "دعهما يا أبا بكر: إن لكل قوم عيداً، وإن عيدنا هذا اليوم" رواه البخاري (٣٩٣١) ، ومسلم (٨٩٢) من حديث عائشة - رضي الله عنها-، ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى ١١/٥٦٥: (وليس في حديث الجاريتين أن النبي - صلى الله عليه وسلم-استمع إلى ذلك، والأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع، كما في الرؤية، فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار، وكذلك في اشتمام الطيب، إنما ينهى المحرم عن قصد الشم، فأما إذا شم ما لم يقصده فإنه لا شيء عليه، وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس الخمس من السمع، والبصر، والشم، والذوق، واللمس، إنما يتعلق الأمر والنهي من ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل، وأما ما يحصل بغير اختياره فلا أمر فيه ولا نهي، وهذا مما وجه به الحديث الذي في السنن عن ابن عمر - رضي الله عنهما- أنه كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم- فسمع صوت زمارة راع فعدل عن الطريق، وقال: هل تسمع؟ حتى انقطع الصوت، انظر ما رواه أبوداود (٤٩٢٤) ، وابن ماجة (١٩٠١) ، وأحمد في مسنده (٤٥٣٥) فإن من الناس من يقول بتقدير صحة هذا الحديث، لم يأمر ابن عمر - رضي الله عنهما- بسد أذنيه، فيجاب بأنه كان صغيراً، أو يجاب بأنه لم يكن يستمع وإنما كان يسمع، وهذا لا إثم فيه، وإنما النبي - صلى الله عليه وسلم- فعل ذلك طلباً للأفضل والأكمل، كمن اجتاز بطريق فسمع قوماً يتكلمون بكلام محرم فسد أذنيه؛ كيلا يسمعه فهذا حسن، ولو لم يسد أذنيه لم يأثم بذلك، اللهم إلا أن يكون في سماعه ضرر ديني لا يندفع إلا بالسد) . اهـ.

وقال في موضع آخر ٢٩/٥٥٢: (غناء الإماء الذي يسمعه الرجل، قد كان الصحابة -رضي الله عنهم- يسمعونه في العرسات ويقول الإمام مالك: إذا دعي إلى وليمة فوجد فيها دفاً، فلا أرى أن يرجع (فتح الباري لابن رجب ٨/٤٣٧) ، وقال ابن رجب في فتح الباري (٨/٤٣٤) ، فكذلك الغناء يرخص فيه للنساء في أيام السرور، وإن سمع ذلك الرجال تبعاً) . أهـ.

والذي يظهر لي من خلال السنة، أن ضرب الدف حتى للرجال فيه شيء من السعة إذا وجدت مناسبة، كقدوم غائب ونحوه، كما في حديث الناذرة الذي أشرت له في سؤالك، وبهذا التفصيل أرجو أن تكون المسألة الثانية اتضحت، والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>