للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولذلك حذر أهل العلم من انتقاص الصحابة - رضي الله عنهم- أو سبهم أو الاستهزاء بهم، وعدوا ذلك مخالفة صريحة لمعتقد أهل السنة والجماعة، وجعل العلماء سب الصحابة - رضي الله عنهم- وانتقاص قدرهم قدحاً في الشريعة؛ لأن الشريعة لم تصل إلينا إلا عن طريقهم، فهم كتبة الوحي ونقلة السنة، ومن جملة الصحابة المشهود لهم بالعدالة والفضل: عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب الهذلي- رضي الله عنه- فهو من أكابر الصحابة - رضي الله عنهم- فضلاً وعلماً وعقلاً، ومن السابقين إلى الإسلام، وأول من جهر بالقرآن بمكة المكرمة، ويشهد لفضله أن الرسول - صلى الله عليه وسلم- قال عنه لما ضحك الصحابة - رضي الله عنهم- من تمايل الريح به: "لهو أثقل عند الله يوم القيامة ميزاناً من أُحد" أخرجه الإمام أحمد (٩٢٠) ، وابن أبي شيبة (١٢/١١٤) ، وقال عنه عمر -رضي الله عنه-: "وعاء مليء علماً"، كما كان ابن مسعود - رضي الله عنه- من فقهاء الصحابة - رضي الله عنهم-، ومن المشتهرين منهم باستنباط الأحكام والعمل بالرأي المحمود في المسائل التي لم يرد فيها نص، ولذلك فإن مدرسة عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- في العراق تعد النواة الأولى لمدرسة أهل الرأي التي ينسب مذهب الإمام أبي حنيفة إليها، وغير ذلك مما ثبت لعبد الله بن مسعود - رضي الله عنه- من الفضائل، وبعد هذا كيف يجرؤ أحد على انتقاصه أو التلفظ عليه بسوء إلا من كان زائغ القلب فاسد السيرة والسريرة.

ونصيحتي لك فيما يتعلق باتباع مذهب معين: أن الواجب على المسلم عموماً التمسك بالكتاب والسنة، والعمل بما تقتضيه النصوص الشرعية، والوقوف عند حدودها؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- تعبدنا باتباع ما شرعه هو أو رسوله - صلى الله عليه وسلم-، ولم يتعبدنا باتباع الأشخاص مهما بلغوا في العلم والدين، وإنما جاز للعامي اتباع مذهب معين من المذاهب المعتبرة عند أهل العلم؛ لأنه عاجز عن النظر في الأدلة واستنباط الأحكام منها، ولكن ينبغي أن يكون هذا الاتباع متجرداً عن التعصب للمذهب والموالاة والمعاداة فيه، كما أنه لا يجوز لأحد من الناس أن ينتقص مذاهب الأئمة المعتبرة عند أهل العلم كالمذاهب الأربعة المشهود لها: (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي) ؛ لأن هذه المذاهب اعتبرها العلماء قديماً وحديثاً وشهدوا لأئمتها بالعلم والفضل، ولا يعني هذا أن هذه المذاهب معصومة عن الخطأ أو أن كل ما فيها صحيح وحق، بل فيها الصحيح وغيره، ولكن الذي لا شك فيه أن هؤلاء الأئمة مجتهدون، فإن أصابوا فلهم أجران، وإن أخطئوا فلهم أجر واحد.

والله الموفق، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>