للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سلّم نفسك لله

المجيب د. عبد الوهاب بن ناصر الطريري

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً

التصنيف الفهرسة/ الرقائق والأذكار/التوبة

التاريخ ٣/٨/١٤٢٢

السؤال

إذا ارتكب الرجل جريمة الزنا وأراد أن يتوب توبة صادقة، وهو يعيش في بلد غير إسلامي، فكيف يقام عليه الحدّ، هل يمكن أن يأتي إلى عالم من العلماء أو مؤسسة إسلامية ليقام عليه الحدّ، أو يسافر إلى بلد إسلامي ليفعل ذلك، أو لمن يسلّم نفسه؟

الجواب

الأخ / ع. أ. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد: فإني أسأل الله -عز وجل- أن يغفر ذنبك، ويصلح قلبك، ويستر عيبك، ويهديك بهداه.

ثم اعلم - بارك الله فيك - أن من جنح إلى خطيئة، أو وقع في فاحشة ليس فيها حق إلا لله - عز وجل - فإنه إذا استغفر وتاب وأناب، فقد استعتب رباً رحيماً كريماً هو أرأف به من أمه التي ولدته، وأنه -جل وعزّ- أكرم من أن يرده وقد أقبل عليه، أو يخيبه وقد صدق في رجائه، وليس بينه وبين المغفرة إلا أن يخلص التوبة، وربك يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل، وعليه أن يستتر بستر الله عليه ولا يفضح نفسه، وقد قال -صلى الله عليه وسلم-: ((من ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة)) أخرجه البخاري (٢٤٤٢) ومسلم (٢٥٨٠) .

فإذا كان المرء يؤجر بالستر على غيره فستره على نفسه كذلك أفضل، والذي يلزمه في ذلك التوبة والإنابة والندم على ما صنع فإن ذلك محو للذنب إن شاء الله.

وأخرج مالك في موطئه مرسلاً (٢/٨٢٥) ، والحاكم في المستدرك (٨٢١٩) من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قام بعد أن رجم الأسلمي فقال: ((اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عنها، فمن ألمّ فليستتر بستر الله، وليتب إلى الله فإنه من يبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله -عز وجل-)) قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه.

قال العلماء: إذا تمحّض حق الله فهو أكرم الأكرمين، ورحمته سبقت غضبه، فلذلك إذا ستره في الدنيا لم يفضحه في الآخرة. وقد ورد في ذلك حديث -وإن كان فيه ضعف- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (من أصاب حدّاً فعُجِّل عقوبته في الدنيا فالله أعدل من أن يثنيّ على عبده العقوبة في الآخرة، ومن أصاب حدّاً فستره الله عليه، وعفا عنه فالله أكرم من أن يعود إلى شيء قد عفا عنه) أخرجه الترمذي (٢٦٢٦) وقال: حسن غريب. ويشهد لمعنى هذا الحديث ما أخرجه البخاري (٢٤٤١) ومسلم (٢٧٦٨) عن ابن عمر قال سمعت رسول الله يقول في النجوى: ((يدنو أحدكم من ربه حتى يضع كنفه عليه -أي ستره- فيقول عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. فيقول: عملت كذا وكذا؟ فيقول: نعم. فيقرّره، ثم يقول: إني سترت عليك في الدنيا، فأنا أغفرها لك اليوم)) .

ولذلك كله فإن على من ابتلي بشيء من هذه الفواحش أن يصدق التوبة، ويعظم في الله الرجاء؛ فإنه أكرم الأكرمين، يفرح بتوبة عبده إذا تاب، فيغفر ذنبه، ويجبر كسره، ويمحو ذنوبه، ولو كانت مثل زبد البحر. ولكن لا بدّ مع ذلك من سلوك الطريق الصحيح التي تعين على الاستقامة وصلاح الحال بعد التوبة ومنها:

<<  <  ج: ص:  >  >>