للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن الزنا كبيرة من كبائرة الذنوب؛ قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا) [الفرقان:٦٨] . وعقوبة الزاني البكر جلد مائة، وتغريب عام؛ قال تعالى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) [النور:٢] . وجاء التغريب في جملة أحاديث رواها البخاري (٢٦٩٦) ، ومسلم (١٦٩٨) . وهذا الحكم في حال توفر شروط إقامة الحد، أما إذا تخلف بعضها فإن الحد يدرأ عنها، فالإكراه في حال ثبوته مانع من موانع إقامة الحد، ففي سنن البيهقي ٨/٢٣٦، عن أبي عبد الرحمن السُّلمي: أُتى عمر، رضي الله عنه، بامرأة جهدها العطش، فمرت على راع فاستقست فأبى أن يسقيها إلا أن تمكنه من نفسها ففعلت، فشاور الناس في رجمها، فقال علي، رضي الله عنه: هذه مضطرة، أرى أن نخلي سبيلها. ففعل. أما ما يتعلق بالطفلة فتنسب لأمها، وأشير إلى أن من وقع في شيء من هذه القاذورات فتاب توبة نصوحًا فليستتر بستر الله تعالى، ولا يخبر أحدًا بذلك؛ قال عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام بعد أن رجم الأسلمي فقال: "اجْتَنِبُوا هذه القَاذُورَةَ التي نَهَى اللهُ عنها، فمَن أَلَمَّ فَلْيَسْتَتِرْ بِسِتْرِ اللهِ ولْيَتُبْ إلى اللهِ، فإنَّه مَن يُبْدِ لَنَا صَفْحَتَهُ نُقِمْ عَلَيه كِتَابَ اللهِ عزَّ وجلَّ". أخرجه الحاكم٤/٢٧٢. وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه) ا. هـ. وقال: عن مسروق، قال: خرج بن مسعود على أهل الدار فقال لهم: مَن جاء منكم مُستفتيًا فلْيجلِسْ حتَّى نُفْتِيَه، ومَن جاء منكم مُخاصِمًا فلْيلْزَمْ خصمَه حتى نقضي بينهما، ومن جاء منكم مُطْلِعَنَا على عورةٍ ستَرها اللهُ فَلْيَستتِرْ بسترِ اللهِ ويُسِرَّها إلى مَن يَملِكُ مَغفرتَها، فإنَّا لا نملك مغفرتَها ونقيمُ عليه حدًّا. أخرجه الطبراني (٨٩٠٦) . ولا أعلم نصًّا من كتاب أو سنة يأمر بالإقرار، أو يحث عليه، بل النصوص أمرت بالستر، كما ذكرنا، وقد عرَّض النبي صلى الله عليه وسلم، لماعز، رضي الله عنه- لما أقر بالزنا- بالرجوع، كما رواه مسلم (١٦٩٥) . بل تعدى ذلك إلى أمر مَن رأى مَن وقع على كبيرة وتاب منها بستره؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لهزال لما حثَّ ماعزًا على الإقرار: " لَوْ سَتَرْتَهُ بِثَوْبِكَ كَانَ خَيْرًا لَكَ ". أخرجه أبو داود (٤٣٧٧) والنسائي في الكبرى (٧٢٧٤) .

والله تعالى أعلم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>