للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وثبت في صحيح مسلم أن النبي – صلى الله عليه وسلم- كان إذا وجد ريح البصل والثوم من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع، انظر ما رواه مسلم (٥٦٧) من حديث عمر بن الخطاب –رضي الله عنه-، وهذا تنبيه بالأدنى على الأعلى، فالذي ينشر البدع ويثير الفتن في المسجد أولى بالإخراج؛ لأن إيذاءه أشد من إيذاء أكل البصل والثوم. قال الإمام الماوردي في كتابه الأحكام السلطانية (٢٩١) وإن حدث منازع ارتكب ما لا يسوغ فيه الاجتهاد كف عنه ومنع منه، فإن أقام عليه وتظاهر باستغواء من يدعو إليه لزم السلطان أن يحسم بزواجر السلطنة ظهور بدعته، ويوضح بدلائل الشرع فساد مقالته، فإن لكل بدعة مستمعاً، ولكل مستغو متبعاً"

وهذا كله في المساجد الكائنة في بلاد الإسلام، وأما المساجد الكائنة في بلاد الكفر والتي ليس للسلطان المسلم عليها ولاية، فيجب أن يقوم بولايتها أهلها من المسلمين، ولا يجوز أن تعطى ولايتها لحاكم كافر.

ومعلوم أن لكل مسجد في بلاد الغرب هيئة تشرف عليه وتتولى شؤونه، وهذه الهيئة عليها تبعة حماية المسجد وصيانته والإشراف الديني عليه، كما أن لها الحق في منع من يقوم بتخريب المسجد، أو نشر البدع فيه أو إيذاء أهله من دخوله.

ذلك أن حماية المساجد وصيانتها ولاية تابعة للسلطان المسلم، فإن تعذرت ولايته لم يترك الأمر هملاً، وتترك المساجد الكائنة في بلاد ليس للسلطان المسلم ولاية عليها، سوقاً يرتع فيها أهل الأهواء والبدع، بل على من تولى شراء المسجد أو تأسيسه أن يولي أهل الخير الإشراف عليه، وهؤلاء الذين ترتب عليهم واجب حماية المسجد لهم الحق في اتخاذ الإجراءات الضرورية لصيانة المسجد من البدع المضلة ومن الذين يسعون في تخريبه، أو تمزيق صف المصلين فيه.

فإذا خشيت الفتنة في المسجد ولم يمكن درؤها إلا بمنع أصحاب الفتنة من دخول المسجد وجب ذلك؛ لأن القاعدة الأصولية إن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وبعض الضرر يحتمل في سبيل دفع ضرر أكبر منه.

فالهيئة الموكلة برعاية المسجد تنوب عن السلطان في ولايته؛ لأن ما لا يدرك كله لا يترك جله، وهذه الهيئة عليها أن تكون على بصيرة من أمر دينها؛ حتى لا تتعدى في ولايتها فتخرج من لا يستحق الإخراج، فترتكب بذلك إثماً عند الله، فإن لم يكن فيهم أهل علم فعليهم أن يسألوا "فإنما شفاء العي السؤال" جزء من حديث رواه أبو داود (٣٣٦) عن جابر –رضي الله عنه-.

ومن البصيرة في الدين أن يفرق بين مريد النصيحة ومريد الفتنة، فالأول يشكر والثاني يزجر.

واعلم أيها السائل أن للنصيحة شروطاً وآداباً يجب مراعاتها، وإلا أدت النصيحة إلى فتنة، ومن أهم شروطها في حال وقعت الهيئة المشرفة في أخطاء:

<<  <  ج: ص:  >  >>