للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إثبات صلة العقيدة بالأخلاق]

المجيب صالح بن درباش الزهراني

عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى

التصنيف الفهرسة/الجديد

التاريخ ٢٢/٠١/١٤٢٧هـ

السؤال

سمعت أستاذ علم النفس في الجامعة يقول: إن العقيدة مفصولة عن الأخلاق. وأنا أعرف أن قوله خطأ، لكن الأغلبية ممن أعرفهم يعتقدون أن هذا الكلام صحيح. فكيف نقنعهم؟!

الجواب

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فإن قول القائل: (الأخلاق منفصلة عن العقيدة) -بمعنى أنه لا علاقة للعقيدة بالأخلاق- مقولة باطلة؛ لأن العقيدة الصحيحة تستلزم التحلي بكل خلق فاضل، والتخلي عن كل خلق ذميم، وبيان ذلك: أن الأخلاق ترتبط بثلاثة أركان من أركان الإيمان هي محل إجماع الرسالات الإلهية، وهي الإيمان بالله وبرسله وبالبعث:

١- فمن ناحية الإيمان بالله فإن المسلم عندما يمارس الأخلاق الفاضلة ويجتنب الأخلاق السيئة يعتقد ويؤمن أن الله أمره بذلك، فيمارسها على أنها جزء من إيمانه بالله، أو أنها من لوازم إيمانه بالله، وأن الله فرض عليه ذلك وألزمه به.

ومن شواهد ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "الإيمان بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان" صحيح البخاري (٩) ، وصحيح مسلم (٣٥) ، فجعل إماطة الأذى عن طريق الناس -وهو من الأخلاق النبيلة- شعبة من شعب الإيمان.

وبوّب أهل العلم الذين صنفوا في الإيمان وشعبه وخصاله على كثير من الأخلاق، وعدوها من شعب الإيمان، مثل كتاب البيهقي (شعب الإيمان) ، ومختصره للقزويني، وغيرهما، بل إن المصنفين في الحديث بشكل عام يوردون تحت مسمى الإيمان كثيراً من الأخلاق، على سبيل التمثيل أنها من شعب الإيمان وأجزائه..

٢- وأما ارتباط الأخلاق بالعقيدة من جهة الإيمان بالرسول -صلى الله عليه وسلم- فإن المسلم يمارس الأخلاق على أن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- حثَّ عليها وبلغها عن ربه، فهو لاعتقاده بنبوة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنه مبلغ عن ربه -ومما بلّغه الأخلاق- يمارس الأخلاق من هذا الجانب أيضاً، فمقتضى إيمانه برسول الله -صلى الله عليه وسلم- امتثال ما أمر به من الفضائل، والابتعاد عمَّا نهى عنه من الرذائل. بل ويمارس الأخلاق أيضاً على سبيل الاقتداء بنبيه المعصوم الذي بعث ليتمم مكارم الأخلاق، فتممها إذ كان خلقه القرآن صلوات الله وسلامه عليه.

٣- وأما ارتباطها بالإيمان باليوم الآخر فمن حيث الجزاء عليها ثواباً أو عقاباً، فيمارس الأخلاق الفاضلة مؤمناً ومعتقداً بأن الله سيثيبه عليها أجراً عظيماً، وأنها سبيل إلى الجنة، ففي الحديث: "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا.." صحيح البخاري (٦١٣٤) ، وصحيح مسلم (٢٦٠٧) . بل إنها سبب للقرب من الرسول -صلى الله عليه وسلم- في الجنة، ففي الحديث: "إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا.." أخرجه الترمذي (٢٠١٨) .

<<  <  ج: ص:  >  >>