للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال -رحمه الله-: "أي: يتعبد الله" في بيوت" عظيمة فاضلة هي أحب البقاع إليه وهي المساجد. "أذن الله" أي: أمر ووصى" أن ترفع ويذكر فيها اسمه" هذان مجموع أحكام المساجد، فيدخل في رفعها بناؤها وكنسها وتنظيفها من النجاسة والأذى، وصونها من المجانين والصبيان الذين لا يتحرزون عن النجاسة وعن الكافر وأن تصان عن اللغو فيها ورفع الأصوات بغير ذكر الله.

"ويذكر فيها اسمه" يدخل في ذلك الصلاة كلها فرضها ونفلها وقراءة القرآن والتسبيح والتهليل وغيره من أنواع الذكر، وتعلم العلم وتعليمه والمذاكرة فيها والاعتكاف وغير ذلك من العبادات التي تفعل في المساجد، ولهذا كانت عمارة المساجد على قسمين: عمارة بنيان وصيانة لها، وعمارة بذكر اسم الله من الصلاة وغيرها، وهذا أشرف القسمين، ولهذا شرعت الصلوات الخمس والجمعة في المساجد وجوباً عند أكثر العلماء، أو استحباباً عند آخرين" تيسير الكريم الرحمن (٥/٤٢٢) .

وعن عائشة –رضي الله عنها- قالت: أمرنا رسول الله –صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم- ببناء المساجد في الدور، وأن تنظف وتطيب". رواه أحمد (٢٦٤٢٩) ، وأبو داود (٤٥٥) ، والترمذي (٥٩٤) ، وابن ماجه (٧٥٩) ، وصححه ابن حبان (١٦٣٤) .

وقد جاء في فضل عمارة المساجد أحاديث كثيرة منها:

حديث عثمان بن عفان –رضي الله عنه- قال: إني سمعت النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: "من بنى مسجداً –قال بكير أحد الرواة: حسبت أنه قال- يبتغي به وجه الله بنى الله له مثله في الجنة" رواه البخاري (٤٣٩) ، ومسلم (٥٣٣) .

فنلاحظ هنا أنه شرط لنيل هذا الأجر أن يكون لوجه الله تعالى، أما أن يدفع ليحصل على تسهيلات فقط فليس له من الأجر إلا ما حصله.

عن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" رواه البخاري (١) .

عن أبي هريرة –رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال: فما عملت فيها؟ قال: قاتلت فيك حتى استشهدت. قال: كذبت، ولكنك قاتلت لأن يقال: جريء. فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن. فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن. قال: كذبت، ولكنك تعلمت العلم ليُقال: عالم. وقرأت القرآن ليقال: هو قارئٌ. فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأتي به فعرفه نعمه فعرفها، قال: فما عملت فيها؟ قال: ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك. قال: كذبت، ولكنك فعلت ليقال: هو جواد. فقد قيل، ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار" رواه مسلم (١٩٠٥) .

ومثل ذلك باقي الأعمال الصالحة كالتبرع للمساجد، فمن تبرع ليحصل على التخفيض فلا أجر له، أما من تبرع لوجه الله تعالى لا يريد عرضاً من الدنيا فحصل على تخفيض غير مقصود له فلا بأس.

<<  <  ج: ص:  >  >>