للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يبعد أن يكون فيما خلق الله تعالى من الأشعة أشعة قوية تخترق هذه الظلمات حتى يتبين الجنين ذكراً أم أنثى.. قال ابن كثير رحمه الله..: (وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه) .., وإذا كانت الآية لا تتناول ما بعد التخليق، وإنما يراد بها ما قبله فليس فيها ما يعارض ما قيل من العلم بذكورة الجنين وأنوثته.., ولا يمكن أن يناقض صريح القرآن الكريم أمراً معلوماً بالعيان" [مجموع فتاوى ورسائل الشيخ محمد صالح بن العثيمين] .

وعندما يُصَب المني في المجاري التناسلية للمرأة ينقبض الرحم ويغور للداخل بسبب مادة منوية تسمى بروستاجلاندين (Prostaglandin) ويعينها تقلص لا إرادي يقع للمرأة يصاحب نشوة الجماع (Orgasm) , وبهذا يعمل الرحم عمل المضخ (pumpaction) بطريقة تماثل عمل شفاطة لبن الثدي المطاطية التي تنقبض لتدفع الهواء، ومع الانبساط يقل الضغط داخلها فتشفط اللبن, وبالمثل ينبسط الرحم لاحقا فيعين الحيوانات المنوية على بلوغ البويضة قرب نهاية قناة الرحم, ولذا لا يقل دوره هذا أهمية عن دوره في حفظ الحمل على طول مراحله، حيث يزداد حجما بما يتناسب ومتطلبات الجنين, وتحمل البويضة نصف عدد الفتائل الوراثية (الكروموزومات) ، ويحمل الحوين النصف الآخر, وتتسابق الحيوانات المنوية وتعلو في المجاري التناسلية للمرأة ليحقق الفوز في بلوغ البويضة وإخصابها إما حيوان يحمل شارة الذكورة (كروموزوم بهيئة Y) فيكون الجنين المرتقب ذكراً -بإذن الله- وإما حيوان يحمل شارة الأنوثة (كروموزوم بهيئة X) فيكون الجنين أنثى بإذن الله, والبويضة الملقحة (Zygot) أشبه ما تكون بقطيرة أو "نطفة" لكنها تعرض لمن يمكنه القراءة كتابا بمشروع الجنين, وقبل تلقيح البويضة وتشكل الخريطة الوراثية وتخلَّق الجنين لا يمكن الحديث طبيًّا عن جنسه أو صفاته الجسدية, وبتلقيحها تتضاعف الفتائل الوراثية، وبالانقسام تتزايد الخلايا وبنمو الجنين يزداد الرحم، ولذا يعتبر الحمل كله وجوها من الازدياد.

وفي قوله تعالى: "اللهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلّ أُنثَىَ وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلّ شَيْءٍ عِندَهُ بِمِقْدَارٍ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ" [الرعد:٨-٩] ، أكدت الآية الكريمة قصر العلم التفصيلي المسبق بكل مقدر الحدوث قبل وقوعه على الله تعالى وحده، لكنها جمعت لله تعالى وحده ما هو بالنسبة للبشر غيب لم يقع بعد، فضلا عما هو شهادة متحقق الحدوث, وراعت ترتيب علم الله تعالى بالغيب بالنسبة للبشر ليناظر غيض الأرحام وترتيب العلم بالشهادة ليناظر زيادتها, ويعرف هذا الأسلوب عند اللغويين باسم "اللف والنشر" ويعني أن الأرحام تغيض قبيل تخلّق الجنين وازديادها, وبالفعل ينقبض الرحم ويغور للداخل قبل وقوع الإخصاب، وتشكل الخريطة الوراثية، ولا يمكن لأحد حينئذ سوى الله تعالى وحده العلم بخصائص الجنين أو ذكورته وأنوثته.

<<  <  ج: ص:  >  >>