للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفعل (تَغِيضُ) منسوب ابتداء في الآية الكريمة إلى (الأرْحَام) ، وفي مقابل الازدياد خاصة يفيد كما في اللغة الغور والنقصان, وكذلك في القرآن؛ يقول تعالى: "وَقِيلَ يَأَرْضُ ابْلَعِي مَآءَكِ وَيَسَمَآءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَآءُ" [هود:٤٤] ، ويقول تعالى: "أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً" [الكهف:٤١] ، ويقول تعالى: "قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْراً فَمَن يَأْتِيكُمْ بِمَآءٍ مّعِينٍ" [الملك:٣٠] ، وفي لسان العرب: "غاض الماء يغيض غيضا.. نقص أو غار" [لسان العرب (٧/٢٠١) ] .

والخلاصة أن الله تعالى يعلم بمستقبل ومصير الإنسان المقبل الذي لم يتخلق بعد حال غيض الأرحام تماما كما هو حال زيادتها بعد تخلقه.

ويأتي الحديث مؤيدا نسق القرآن الكريم في قصر الغيب المطلق عن علم البشر على حال غيض الأرحام قبل تخلق الجنين دون حال ازديادها بعد تخلقه؛ ففي الحديث الذي رواه البخاري وغير واحد: "عن ابن عمر -رضي الله عنهما- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله، لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله، ولا تدري نفس بأي أرض تموت إلا الله، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله) " [صحيح البخاري (٦/٢٦٨٧) , (٤/١٧٣٣) , تفسير ابن كثير (٢/٥٠٣) , تفسير الثوري (١/٢٣٩) , الدر المنثور (٣/٢٧٧) , صحيح ابن حبان (١/٢٧٣) , السنن الكبرى (٦/٣٧٠) , عمدة القاري (١٨/٣١٣) , (٢٥/٨٦) , التمهيد لابن عبد البر (٢٤/٣٧٩) ] .

قال ابن كثير: "هذه مفاتيح الغيب التي استأثر الله تعالى بعلمها فلا يعلمها أحد.. فعلم وقت الساعة لا يعلمه نبي مرسل ولا ملك مقرب.. وكذلك إنزال الغيث لا يعلمه إلا الله، ولكن إذا أمر به علمته الملائكة، ومن يشاء الله من خلقه، وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه، ولكن إذا أمر علمته الملائكة، ومن شاء الله من خلقه، وكذا لا تدري نفس ماذا تكسب غدا، وما تدري نفس بأي أرض تموت.. وقد وردت السنة بتسمية هذه الخمس مفاتيح الغيب" [تفسير ابن كثير (٣/٤٥٤) ] .

وقد ورد في الحديث أن الملائكة تعلم بحال الجنين منذ بدء تكون النطفة, ففي الحديث الذي رواه البخاري وغير واحد: عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- عن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله عز وجل وكل بالرحم ملكا يقول: يا رب نطفة، يا رب علقة، يا رب مضغة. فإذا أراد أن يقضي خلقه، قال: أذكر أم أنثى؟ شقي أم سعيد؟ فما الرزق والأجل؟ فيكتب في بطن أمه". [صحيح البخاري (١/١٢١) , (٣/١٢١٣) , (٦/٢٤٣٣) , وصحيح مسلم (٤/٢٠٣٨) , مسند أحمد (٣/١١٦) , (٣/١٤٨) ] .

<<  <  ج: ص:  >  >>