للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما أبدية النار ودوامها فللناس في ذلك ثمانية أقوال أصحها ما وافق أدلة الكتاب والسنة: قولا أهل السنة والجماعة؛ الأول: أن الله يخرج منها ما يشاء كما ورد في الحديث، ثم يبقيها شيئاً ثم يفنيها، فإنه جعل لها أمداً تنتهي إليه. الثاني: أن الله –تعالى- يخرج منها من شاء، كما ورد في السنة، ويبقى فيها الكفار بقاء لا انقضاء له؛ كما قال الشيخ – رحمه الله- وما عدا هذين القولين ظاهر البطلان، وهذان القولان لأهل السنة ينظر في أدلتهما.

فمن أدلة القول الأول منهما قوله تعالى: "قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم" [الأنعام:١٢٨] وقوله تعالى: "فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق خالدين فيما ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد" [هود: ١٠٦-١٠٧] ، ولم يأت بعد هذين الاستثناءين ما أتى بعد الاستثناء المذكور لأهل الجنة، وهو قوله: "عطاء غير مجذوذ" وقوله تعالى: "لابثين فيها أحقاباً" [النبأ:٢٣] ، وهذا القول -أعني القول بفناء النار دون الجنة منقول عن عمر وابن مسعود وأبي هريرة وأبي سعيد وغيرهم – رضي الله عنهم-، وقد روى عبد بن حميد في تفسيره المشهور بسنده إلى عمر – رضي الله عنه- أنه قال: "لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج لكان لهم على ذلك وقت يخرجون فيه" ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى: "لابثين فيها أحقاباً" [النبأ:٢٣] قالوا والنار موجب غضبه، والجنة: موجب رحمته، وقد قال – صلى الله عليه وسلم -: "لما قضى الله الخلق كتب كتاباً فهو عنده فوق العرش إن رحمتي سبقت غضبي" رواه البخاري (٧٤٢٢) ، ومسلم (٢٧٥١) من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه - وفي رواية لمسلم (٢٧٥١) : "تغلب غضبي" قالوا والله – سبحانه – يخبر عن العذاب أنه عذاب يوم عظيم وأليم وعقيم، ولم يخبر ولا في موضع واحد عن النعيم أن نعيم يوم، وقد قال تعالى: "عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء" [الأعراف:١٥٦] ، وقال تعالى حكاية عن الملائكة: "ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلماً" [غافر:٧] ، فلا بد أن تسع رحمته هؤلاء المعذبين فلو بقوا في العذاب لا إلى غاية لم تسعهم رحمته، وقد ثبت عند مسلم (٩٨٧) تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة، والمعذبون فيها متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم، وليس في حكمة أحكم الحاكمين ورحمة أرحم الراحمين أن يخلق خلقاً يعذبهم أبد الآباد عذاباً سرمداً لا نهاية له، وأما أنه يخلق خلقاً ينعم عليهم، ويحسن إليهم نعيماً سرمداً فمن مقتضى الحكمة والإحسان مراد لذاته والانتقام مراد بالعرض، قالوا وما ورد من الخلود فيها والتأبيد وعدم الخروج، وأن عذابها مقيم، وأنه غرام كله حق مسلم لا نزاع فيه، وذلك يقتضي الخلود في دار العذاب ما دامت باقية، وإنما يخرج منها في حال بقائها أهل التوحيد ففرق بين من يخرج من السجن وهو سجن على حاله، وبين من يبطل سجنه بخراب السجن وانتقاضه.

<<  <  ج: ص:  >  >>