للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دلائل الكتاب والسنة، وأكثرها جهالات وخيالات فاسدة، وبهذا تفهم كيف أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أنكر على عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- النظر في صحيفة من التوراة [انظر: مسند أحمد (١٥١٥٦) ، والسنة لابن أبي عاصم (٥٠) ] . وهو الكتاب المنزل من السماء وإن شابه التحريف فهو أفضل من كثير من الأقيسة العقلية، والخيالات الصوفية، وكذلك موسى -عليه السلام- لو قدر وجوده بعد بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم- ما جاز لأحد متابعته، وترك ما عليه النبي -صلى الله عليه وسلم- بل ما جاز له –أي موسى- ترك متابعة النبي -صلى الله عليه وسلم- فكيف تتلقى أمور الديانة أصولها وفروعها، عن عقل أو ذوق أو وجد أو نحو ذلك؟ فمنهج السلف يقوم على التسليم المطلق لنصوص الكتاب والسنة، لا يردون منها شيئاً، ولا يعارضونها بشيء لا بعقل ولا ذوق ولا منام ولا غير ذلك، بل يقفون حيث تقف بهم النصوص، ولا يتجاوزونها إلى إعمال رأي أو قياس أو ذوق، ملتزمين قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم" [الحجرات:١] .

أما المخالفون لعقيدة أهل السنة والجماعة فمستندهم وسلسلتهم في تلقي العلوم الدينية هو الكشف والعيان لا النظر والبرهان، بل عندهم أن السالك لا بد وأن يفرغ قلبه عن جميع التعلقات الكونية، والقوانين العلمية، وقد ذكر بعض الصوفية أن علوم الصوفية فاضت على صدورهم فيضاً، ولم تحصل لهم بالتعلم والدراسة والكتابة للكتب، والنظر في المصنفات والبحث عن الأقاويل والأدلة، بل من لوازم طريقهم قطع الهمة عن الأهل والولد والعلم، فلا يفرق فكره بقراءة قرآن، ولا بالتأمل في تفسيره، ولا بالنظر في كتب الحديث وغيرها.

فالعلوم العقلية والشرعية من جملة الحجب والعوائق التي يجب على السالك التخلص منها وتجاوزها، إن هو أراد الوصول إلى حقيقة المعرفة.

بل تجدهم قد وصفوا ما عندهم بالمعرفة والقطع، وما عند غيرهم بالعلم والظن، فالعلم طريقه الخبر، أما المعرفة فطريقها الكشف والعيان، والعلم عندهم حجاب عن المعرفة وإن كان لا يوصل إليها إلا بالعلم، فالعلم لها كالصوان لما تحته فهو حجاب عنه ولا يوصل إليه إلا منه.

ثالثاً: أما هل هذا حصل في التاريخ الإسلامي؟ فنقول: نعم هناك من زعم أن الأولياء يسمعون كلام الله، أو أن الله كلمهم، ومنهم من زعم التصرف مع الله في الكون، ومنهم من ادعى العروج إلى السماوات وتبادل الحديث مع الله، ومنهم من زعم أن هناك من يتلقى علوماً خاصة بهم عن الله كابن سبعين وغيره، وأبي العباس المرسي، حيث قال: علوم هذه الطائفة -أي الصوفية- علوم تحقيق، وعلوم التحقيق لا تحملها عقول عموم الخلق، والفقيه من انفقأ الحجاب عن عيني قلبه. ويقول أحمد بن مخلوف الشابي الصوفي: وعلم التجليات موقوف على الأذواق، فمن لا ذوق له لا علم له.

وإلى جانب زعم التلقي عن الله مباشرة هناك من يزعم أنه يتلقى عن الله مباشرة وباستمرار، ويتلقون التوجيهات ويصححون عنده الأحاديث، فهذا محمد الصبان يقول:

<<  <  ج: ص:  >  >>