للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ما قال عارف قط: يا الله إلا وجد من قلبه ضرورة، بطلب العلو، ولا يلتفت يمنة ولا يسرة، فكيف ندفع هذه الضرورة عن قلوبنا؟، فصرخ أبو المعالي، ولطم رأسه، وقال: حيرني الهمداني، حيرني الهمداني) [ينظر: كتاب الاستقامة (١/١٦٧) ] وهذا مذهب أهل السنة والجماعة، وقد تعلق نفاة العلو: بأن الله – تعالى – لو كان في مكان لأشبه المخلوقات لأن ما أحاطت به الأمكنة فهو مخلوق، فيقال: هذا نشأ عن القياس الفاسد والتشبيه المستكن في نفوس هؤلاء إذ لو آمنوا بأن الله على كل شيء قدير وأنه ليس كمثله شيء ما انطلت هذه الشبه وهذا الهراء على نفوسهم، ويقال أيضاً: ألستم تقرون بأن الله – تعالى – موجود قبل خلق الكون فهو تعالى كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كان الله، ولم يكن شيء غيره" أخرجه البخاري (٣١٩١) ، ونحن وأنتم وكل العقلاء لا نعقل وجود أحد منا إلا في مكان، وما ليس في مكان فهو عدم، والله بخلاف ذلك، فلا يجوز أن يقاس بخلقه كما فعلتم، قلتم: لو كان في مكان لأشبه خلقه، فإن زعموا أنه يلزم من كونه تعالى في العلو التغير والانتقال لأنه تعالى كان ولا مكان فلما خلق المكان صار في العلو، فزال عن صفته في الأزل وصار في مكان، قيل: وأنتم يلزمكم أقبح من ذلك، وهو زعمكم أنه – تعالى – كان لا في مكان ثم صار في كل مكان فقد تغير عندكم معبودكم وانتقل من لا مكان إلى كل مكان، وهذا لازم لكم، لا انفكاك لكم منه، وقولهم: كان الله، ولا مكان وهو الآن على ما كان عليه قبل خلق المكان كلام فاسد متناقض وذلك أن النفاة للاستواء والعلو على قسمين، قسم يقول: إن الله لا فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف ولا داخل العالم ولا خارجه وهذا لا يفهم منه إلا العدم المحض، فليس له وجود فعلي على هذا الوصف، فهو إذاً ليس له مكان أصلاً، إذ لا وجود له، وقسم يقول: إنه في كل مكان، فيلزم أنه كان في كل مكان، قبل خلق المكان، فهو إذاً في هذا الكون كله، قبل خلقه له، وهذا قول ظاهر الفساد، إذ معناه: كان في الأمكنة قبل خلقها، فالحق أن الله ليس كمثله شيء لا في نفسه ولا في فعله ولا في صفاته، ولا في مفعولاته، فإذا رام الإنسان أن ينفي شيئاً مما يستحقه، لعدم نظيره في الشاهد المحسوس، صار ما يثبته بدل نفيه أبعد عن المعقول والمشهود [ينظر: بيان تلبيس الجهمية (١/١٤٧) ] ، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: (افترق الناس، في علو الله، واستوائه أربع فرق: الأولى: الجهمية النفاة، يقولون: ليس داخل العالم ولا خارجه ولا فوق ولا تحت وجميع الطوائف من أهل البدع يتمسكون بنصوص، إلا الجهمية، وقسم ثان منهم يقولون: إنه بذاته في كل مكان، ويدخل فيهم الأشاعرة، وهؤلاء هم الفرقة الثانية، الثالثة: من يقول: إنه فرق العرش، وهو في كل مكان ويزعم أنه بذلك يجمع بين النصوص، الرابعة: المتبعون للكتاب والسنة، الذين أثبتوا ما أثبته الله ورسوله، من غير تحريف، فآمنوا بأن الله فوق سماواته مستوٍ على عرشه) [ينظر: مجموع الفتاوى (٥/٢٢٩-٢٣١) ] والحاصل أن الحق فيما ذهب إليه أهل السنة، وأن علو الله ثابت بالكتاب والسنة والفطرة وصريح العقل، والأدلة عليه لا تحصى، وليس بين علو الله واستوائه على عرشه وبين معيته

<<  <  ج: ص:  >  >>