للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال تعالى: "يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون وأما الذين ابيضت وجوههم ففي رحمة الله هم فيها خالدون" [آل عمران:١٠٦-١٠٧] قال ابن عباس وغيره: تبيض وجوه أهل السنة والجماعة، وتسود وجوه أهل البدعة والفرقة.

والمقصود أن ما في القلوب من قصد الصدق والمحبة والبر ونحو ذلك قد يظهر على الوجه حتى يعلم ذلك علما ضروريا من أبلغ العلوم الضرورية، وكذلك ما فيها من قصد الكذب والبغض والفجور وغير ذلك.

والإنسان يرافق في سفره من لم يره قط إلا تلك الساعة، فلا يلبث إذا رآه حدة وسمع كلامه أن يعرف هل هو مأمون يطمئن إليه أو ليس كذلك، وقد يشتبه عليه في أول الأمر وربما غلط، لكن العادة الغالبة أنه يتبين ذلك بعد لعامة الناس.

وكذلك الجار يعرف جاره، والمعامل يعرف معامله؛ ولهذا لما شهد عند عمر بن الخاطب رجل فزكاه آخر، قال: هل أنت جاره الأدنى تعرف مساءه وصباحه؟ قال: لا، قال: هل عاملته في الدرهم والدينار اللذين تمتحن بهما أمانات الناس؟ قال: لا، قال: هل رافقته في السفر الذي تنكشف فيه أخلاق الناس؟ قال: لا، قال: فلست تعرفه. وروي أنه قال: لعلك رأيته يركع ركعات في المسجد!، وذلك أن المنافق قد يظهر الصلاة، فمن لم يخبره لا يعرف باطن أمره، كما قيل:

ذئب تراه مصليا *** فإذا مررت به ركع

يدعو وجلّ دعائه *** ما للفريسة لا تقع

وإذا الفريسة خليت *** ذهب التنسك والورع

انتهى كلام ابن تيمية رحمه الله.

وهنا وقفة مع حديثين في معنى هذه الجملة من الآية:

الأول: ورد في تفسير الآية حديث مرفوع أن السيما: هي النور يوم القيامة، ولكنه لفظ ضعيف: رواه الطبراني في المعجم الأوسط (٤٤٦٤) ، وفي المعجم الصغير (٦١٩) .

وقال الطبراني في الأوسط: لم يرفع هذا الحديث عن أبي جعفر الرازي إلا روّاد والمسيب، تفرد به محمد بن أبي السري، لا يروى عن أبيّ إلا بهذا الإسناد، وقال في الصغير: لا يروى عن أبيّ إلا بهذا الإسناد تفرد به أبو جعفر الرازي.

وقال ابن القيم في زاد المعاد (١/٢٧٦) عن أبي جعفر الرازي: صاحب مناكير لا يحتج بما تفرد به أحد من أهل الحديث البتة.

قلت: أبو جعفر الرازي هو عيسى بن عبد الله بن ماهان مختلف فيه أيضا.

ولأبي جعفر نسخة في التفسير إلى أبي بن كعب، فلعل الراوي عنه رفع ما كان موقوفا، وهو المسمى عند المحدثين بسلوك الجادة.

وفي الإسناد أيضا: روّاد بن الجراح أبو عصام العسقلاني، قال البخاري: كان قد اختلط لا يكاد أن يقوم حديثه. فالحديث إذن ضعيف.

الحديث الثاني: أورده ابن ماجه في سننه (١٣٣٣) عن جابر -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار"، وهو حديث موضوع، كما نقل ابن أبي حاتم في علل الحديث (١/٧٤) عن أبيه: وأن أبا حاتم سأل ابن نمير: فقال: [في راوي الحديث السابق وهو ثابت بن موسى] : الشيخ لا بأس به، والحديث منكر، قال أبي: الحديث موضوع. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>