للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

[مفهوم الجهاد]

المجيب د. أحمد بن عبد الرحمن القاضي

عضو البحث العلمي بجامعة القصيم

التصنيف الفهرسة/الجديد

التاريخ ١١/١١/١٤٢٦هـ

السؤال

أنا طالب أدرس في إحدى دول أوربا الشرقية، وأناكثير الاختلاط بالأجانب من جنسيات مختلفة بحكم دراستي الجامعية ومعارفي وأصدقائي، ودائماً أسأل: ما هو الجهاد؟ في الحقيقة أنا لا أستطيع الإجابة عن هذا السؤال، والأصعب عندما يسألوني عن الذي يحصل من تفجيرات، والذي يحصل في فلسطين، فهم يرون أن اليهود مظلومون إذا قتل المدني منهم، مع أن الحقيقة ليس منهم مدني، لا أدري ماذا أقول، هل أدافع أو أهاجم أو أكون في موضع حيادي؟ ولكن السؤال: كيف أشرح الجهاد بمعناه لغير المسلمين في صورة مبسطة بعيداً عن التعقيد؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فالإسلام دين الله للناس جميعاً، ومحمد صلى الله عليه وسلم رسوله للناس جميعاً، والقرآن كتابة للناس جميعاً، لا تختص به أمة دون أمة، ولا أرض دون أرض، ولا حقبة من التاريخ دون أخرى. والدعوة إليه مهمة الأمة المسلمة، مهما كان عرقها، أو لغتها، أو موقعها. والأصل في دعوة الناس البلاغ المبين؛ بالحكمة، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالتي هي أحسن. فإن حال دون هذا الهدف حائل مادي، لزم السعي لإزالته، وتمكين الناس من سماع الحق والتزامه، بحيث يكون الدين كله لله، وهذا السعي هو الجهاد. تارةً يكون بالحجة والبيان، وتارةً يكون بالسيف والسنان؛ بحسب اختلاف أحوال الأمة، قوةً، وضعفاً، وبحسب اختلاف الطرف المقابل قبولاً ورفضاً. وهذا ما يفسر تنوع آيات الجهاد في القرآن، بحيث تفهم الآية في سياق مرحلة معينة.

ويأتي دور الفقهاء، والخبراء، في تنزيل التشريع المناسب على المرحلة المناسبة، وهو ما يعرف بالسياسة الشرعية، وتبقى مهمة الأمة الإسلامية ثابتةً لا تتغير: "ولتكن منكم أمةً يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون" [آل عمران: ١٠٤] ، "كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله" [آل عمران:١١٠] .

وليس كل ما ينسب إلى الجهاد يكون جهاداً شرعيًّا؛ فالتفجيرات التي تستهدف المدنيين العاديين -في دول تربطهم بالمسلمين معاهدات- خطأ لا يقره الشرع، بل هو تصرف يمثل مرتكبيه فقط. أما ما يقع في فلسطين فهو جهاد حقيقي لدفع عدو غاصب احتل بلاد المسلمين وأخرج منها أهلها بغير حق وسامهم سوء العذاب، ويجب أن توضح هذه الحقيقة للعالم المضلل بالتأثير الإعلامي اليهودي، ويبين الفرق بين الصورتين.

وأما بالنسبة لك، شخصيًّا، فيجب أن تكون معتزًّا بدينك، غير معتذر أو مستحٍ من شيء من شرائعه، كيف! وقد قال الله تعالى: "أفغير دين الله يبغون" [آل عمران:٨٣] ، وقال: "ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون" [المائدة:٥٠] . ومن دواعي العزة الحقيقية أن تتفقه في الدين، وتسأل أهل الذكر عما قد يشكل عليك، وتتخذ موقف المبادرة في الكشف عن سوءات الحضارة الغربية التي أزهقت من الأرواح، ولا تزال، ما لم يعرف التاريخ له مثيلاً، وتبين أن الإسلام رحمة للعالمين، وتخليص لهم من أَسْر الظالمين المستبدين، ونعمة في كنف أرحم الراحمين. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>