للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[إعلان المفتي لفتواه المخالفة!]

المجيب وليد بن علي الحسين

عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم

التصنيف الفهرسة/الجديد

التاريخ ١٧/٠٣/١٤٢٧هـ

السؤال

إذا خالف المجتهد أو العالم من هو أعلم منه، أو انفرد بفتوى خلاف أكثر العلماء المعاصرين، وأكثر الذين سبقوه في نفس المسألة؛ فهل يجوز له إعلان فتواه للعامة أو الاحتفاظ بها لنفسه؟

الجواب

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:

فإن الواجب في حق المجتهد أن يجتهد في المسائل الشرعية إذا كان مستوفياً لشروط الاجتهاد في تلك المسألة، فإذا أداه اجتهاده إلى رأي مخالف لرأي أكثر علماء عصره أو من هو أعلم منه، فإن الواجب عليه أن يعمل برأيه، ولا عبرة بمخالفته لمن هو أعلم منه أو جمهور العلماء؛ لأنه يتعبد الله -عز وجل- بما يعتقد هو أنه الحق والصواب لا باعتقاد غيره، ولأن الحق لا يعرف بالكثرة والغلبة وإنما يعرف بالدليل.

وبما أنه توصل إلى رأيه بالدليل الشرعي فهذا هو المطلوب شرعاً، لكن عليه أن يحذر من زلة العلماء أو مخالفة النصوص الصريحة.

وأما نشر فتواه ورأيه بين الناس فإنه ينظر إلى ما يؤول إليه نشرها، فإذا رأى أن العمل بفتواه وما يعتقد رجحانه يفضي إلى إثارة فتنة بين الناس أو إلى حدوث مفسدة فإنه لا يفتي بها دفعاً لحدوث مفسدة، وإذا رأى أنها لا تفضي إلى حدوث مفسدة وحصول فتنة فلا مانع من نشرها بين الناس.

يقول ابن القيم: " فإن لم يأمن - أي المفتي - غائلة الفتوى، وخاف من ترتب شر أكثر من الإمساك عنها أمسك عنها ترجيحاً لدفع أعلى المفسدتين باحتمال أدناهما ".

ويشهد لهذا فعل عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- فقد صلى خلف عثمان -رضي الله عنه- متماً بمنى، ولم يقصر الصلاة، مع أنه كان يرى القصر، ولما قيل له في ذلك، قال: "الخلاف شر" رواه أبو داود (١٩٦٠) ، والبيهقي (٣/١٤٣-١٤٤) وصححه الألباني. فترك العمل بفتواه لأنه رأى أن ما يفضي إليه العمل برأيه من مفسدة الاختلاف أعظم من مصلحة العمل بما يعتقد رجحانه.

وقد ذكر الشاطبي أنه ليس كل ما يعلم مما هو حق يطلب نشره، وإن كان من علم الشريعة، ومما يفيد علماً بالأحكام، ومما استدل به على ذلك حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- عند مسلم (٣١) لما بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنعليه، وقال له: " اذهب بنعلي هاتين فمن لقيت من وراء الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقناً بها قلبه فبشره بالجنة "، فلقيه عمر ورده، وقال للرسول -صلى الله عليه وسلم-: فلا تفعل فإني أخشى أن يتكل الناس عليها فخلهم يعملون، فقال رسول الله -صلى الله عيه وسلم-"فخلهم".

والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>