للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هل يضمن السارق ولو أُقيم الحد؟

المجيب د. نايف بن أحمد الحمد

القاضي بمحكمة رماح

التصنيف الفهرسة/الجديد

التاريخ ١١/٠٣/١٤٢٧هـ

السؤال

عند إصدار الحكم على سارق ما بتنفيذ حد السرقة عليه، هل يطالب بإرجاع المبلغ أو الشيء المسروق؟ وإذا كان السارق لم يعد يملك ذلك المبلغ، فهل يبقى في ذمته بعد تنفيذ الحكم عليه، ويطلب منه سداده في المستقبل؟ وكيف يبرئ ذمته من حق العباد بعد أن قطعت يده؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

فعلى السارق ضمان ما سرقه، سواء كان المسروق موجوداً أو مستهلكاً أو تالفاً، وسواء كان السارق موسراً أو معسراً أقيم الحد أو لم يُقم؛ لعموم الأدلة المحرمة لأكل المال بالباطل، كقوله تعالى: "وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ" [البقرة:١٨٨] . وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "على اليد ما أخذت حتى تؤديه". رواه أحمد (٢٠٠٩٨) ، وأبو داود (٣٥٦١) ، والنسائي في الكبرى (٥٧٨٢) ، وصححه الحاكم (٢/٥٥) من حديث سمرة -رضي الله عنه- وهو من رواية الحسن عنه، وقد أثبت سماعه علي بن المديني ونفاه شعبة وابن معين. (انظر سنن البيهقي ٨/٣٥) .

ولقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إنه لا يحل مال امرئ إلا بطيب نفس منه". رواه أحمد (٢٠٧١٤) ، وأبو يعلى (١٥٧٠) من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه -رضي الله عنه-

قال الهيثمي: "رواه أحمد، وأبو حرة الرقاشي وثقه أبو داود وضعفه ابن معين، وفيه علي بن زيد وفيه كلام" أ. هـ مجمع الزوائد (٣/٢٦٦) .

وقوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا" رواه البخاري (٦٧) ، ومسلم (١٦٧٩) من حديث أبي بكرة -رضي الله عنه-.

وقطع يد السارق حال توافر الشروط وانتفاء الموانع حق لله تعالى، بينما المال المسروق حق للمخلوق، وإقامة حق الله تعالى لا يمنع أن يستوفي المخلوق حقه. قال ابن قدامة -رحمه الله تعالى-: "إنها عين يجب ضمانها بالرد لو كانت باقية، فيجب ضمانها إذا كانت تالفة، كما لو لم يقطع؛ ولأن القطع والغرم حقان يجبان لمستحقين، فجاز اجتماعهما؛ كالجزاء والقيمة في الصيد الحرمي المملوك" أ. هـ المغني (٩/١١٣) ، وهذا مذهب الشافعي وأحمد.

أما حديث: "لا يغرم صاحب سرقة إذا أقيم عليه الحد".

فرواه النسائي (٤٩٨٤) ، وفي الكبرى (٧٤٧٧) ، والطبراني في الأوسط (٩٢٧٤) ، والدارقطني (٣/١٨٢) ، والبيهقي (٨/٢٧٧) من طريق المسور بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف عن جده عبد الرحمن بن عوف -رضي الله عنه-.

وهو حديث لا يصح، قال أبو حاتم: "منكر". المحرر في الحديث (٦٣٠) ، وقال النسائي: "هذا مرسل ليس بثابت"، وقال الدارقطني في العلل (٤/٢٩٤) : "مضطرب غير ثابت" أ. هـ، وقال الطبراني: "ليس متصل الإسناد؛ لأن المسور لم يسمع من جده" أ. هـ وقال ابن العربي -رحمه الله تعالى-: "حديث باطل" ا. هـ أحكام القرآن (٢/٢٣٥) ، وانظر: لسان الميزان (٣/٢١) ، وسنن البيهقي (٨/٢٧٧) .

فإن كان السارق موسراً لزمه رده حالاً، أما إن كان معسراً فيبقى في ذمته ديناً لصاحبه. والله تعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

<<  <  ج: ص:  >  >>