للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[هل دعا الرسول على قوم بالهلاك؟]

المجيب د. رفعت فوزي عبد المطلب

رئيس قسم الشريعة بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة

التصنيف الفهرسة/الجديد

التاريخ ٢٨/٠٢/١٤٢٧هـ

السؤال

هل ورد في السيرة النبوية أن الرسول -عليه الصلاة والسلام- دعا على قوم بالهلاك والزوال؟ وهل كان عليه الصلاة والسلام لعانًا؟ وهل اللعن والسباب والقتل والضرب هو الأصل في تعاملنا -معشر المسلمين- مع أصحاب الديانات الأخرى؟ هل كان من هدي الحبيب المصطفى طريقة الغلظة والسباب في الدعوة؟

الجواب

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد:

فقد ثبت في سيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه دعا على أقوام قتلة غدرة سبقوا بالظلم والغدر، وذلك في مناسبات خاصة ولأسباب محددة وفي بعض الأوقات. فمن ذلك عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَّ رِعْلاً وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ اسْتَمَدُّوا رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى عَدُوٍّ، فَأَمَدَّهُمْ بِسَبْعِينَ مِنَ الْأَنْصَارِ كُنَّا نُسَمِّيهِمُ الْقُرَّاءَ فِي زَمَانِهِمْ كَانُوا يَحْتَطِبُونَ بِالنَّهَارِ وَيُصَلُّونَ بِاللَّيْلِ حَتَّى كَانُوا بِبِئْرِ مَعُونَةَ قَتَلُوهُمْ وَغَدَرُوا بِهِمْ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَنَتَ شَهْرًا يَدْعُو فِي الصُّبْحِ عَلَى أَحْيَاءٍ مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ عَلَى رِعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ وَبَنِي لَحْيَانَ قَالَ أَنَسٌ: فَقَرَأْنَا فِيهِمْ قُرْآنًا ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ رُفِعَ (بَلِّغُوا عَنَّا قَوْمَنَا أَنَّا لَقِينَا رَبَّنَا فَرَضِيَ عَنَّا وَأَرْضَانَا) . أخرجه البخاري (٣٠٦٤) ، ومسلم (٦٧٧) .

والدعاء على أهل الغدر ليس فيه شيء ولا يعاب صاحبه، وليس بمأخذ على الإسلام وأهله، كما أنه -أي الدعاء على من يستحقه- لا يعد سبابا ولا شتما.

ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم سبابًا ولا لعانًا ولا صخابًا في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، فعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قال: لم يكن النبي -صلى الله عليه وسلم- سباباً ولا فحاشاً ولا لعاناً، كان يقول لأحدنا عند المعتبة: ما له ترِب جبينه. أخرجه البخاري (٦٠٣١) .

كما أن منهج الإسلام في التعامل مع غير المسلمين يحدده قوله تعالى: "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى" [البقرة: ٢٥] ، وقول الله تعالى: "ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن" [النحل: ١٢٥] ، وقوله تعالى: "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها" [الكهف: ٢٩] .. إلى غير ذلك من الآيات الكريمة في هذا الباب.

كما أن الإسلام ورسوله -صلى الله عليه وسلم- ومنهجه المحكم هو المهيمن وهو الحجة على الناس، ولا يحكم عليه من خلال تصرفات مضطربة أو سلوكيات معوجة أو دعوات شوهاء.. والمقتدَى به هو رسول الإسلام ودعوته إلى الله معروفة موثقة في سيرته العطرة لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكورًا.. والله أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>