للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[فعل الشخص لما نهى عنه غيره]

المجيب محمد محمد سالم عبد الودود

عضو اللجنة العلمية بالموقع

التصنيف الفهرسة/الجديد

التاريخ ١١/٠٥/١٤٢٧هـ

السؤال

ما الحكم إذا أنا نصحت المرأة في شيء تستعمله، وكنت أنا أستعمله مثل تشقير الحواجب والعدسات؟

الجواب

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:

أولاً: إن فعل الشخص لما نهى عنه غيرَه لا يخلو من أحد احتمالين:

أ- أن يكون بسبب رؤية شرعية؛ بأن كان الشخص يرى حرمة الفعل وقت نهيه عنه، ثم تبين له أن الحكم بخلاف ذلك، أو كان نهيه عنه درءًا لمفسدة، وفعله له تحقيقا لمصلحة راجحة. وفي هذه الحالة لا يُعَدُّ ارتكابه للمنهي عنه تناقضا، بل يعتبر من الفقه في الدين، وتنزيل الأحكام على الواقع. إلا أن هذه الحالة لا يفقهها كثير من الناس.

ب- أن تكون المخالفة إلى الفعل لا تنطلق من رؤية شرعية، وفي هذه الحالة تكون تناقضا من الفاعل، ودليلا على خلل في عقله، فضلا عن كونها سببا لاندلاق أقتابه في نار جهنم والعياذ بالله تعالى.

١- أما كونها دليلا على خلل في العقل فلقول الله تعالى: "أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ" [البقرة:٤٤] .

وفي هذا أصرح دلالة على منافاة هذا التصرف لمقتضيات العقول السليمة.

ومن هذا المعنى قول الشاعر:

يا أيها الرجل المعلم غيره *** هلا لنفسك كان ذا التعليم

تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى *** كيما يصح به وأنت سقيم

وأراك تصلح بالرشاد عقولنا *** أبدا وأنت من الرشاد عديم

إبدأ بنفسك فانهها عن غيها *** فإذا انتهت عنه فأنت حكيم

فهناك يقبل ما تقول ويُهتدى *** بالقول منك وينفع التعليم

لا تنه عن خلق وتأتي مثله *** عار عليك إذا فعلت عظيم

٢- وأما كونها سببا في اندلاق الأقتاب في نار جهنم، فلقول النبي صلى الله عليه وسلم: "يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُهُ فِي النَّارِ، فَيَدُورُ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَجْتَمِعُ أَهْلُ النَّارِ عَلَيْهِ فَيَقُولُونَ: أَيْ فُلَانُ مَا شَأْنُكَ؟ أَلَيْسَ كُنْتَ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: كُنْتُ آمُرُكُم بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ". أخرجه البخاري (٣٢٦٧) .

وعند مسلم (٢٩٨٩) بلفظ: " ... فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ ... ".

والانْدلاق - كما جاء في النهاية لابن الأثير (٢ / ٣١٣) -: خُروج الشَّيء من مكانه؛ يُرِيد: خُروج أمْعَائه من جَوْفه.

ثانياً: يجب التنبيه إلى أن وقوع الشخص في المنكر - حفظني الله وإياكم - لا يمنع مسؤوليته عن إنكار هذا المنكر على غيره، بل إن سكوته عن الإنكار يعتبر منكرا آخر.

ومن جانب آخر فإن سكوت الشخص عن إنكار المنكر على غيره بحجة وقوعه هو في بعض المنكرات يؤدي إلى سكوت غالبية الناس -إن لم أقل: كلهم- عن إنكار المنكرات؛ لندرة السلامة من شيء من ذلك، وفي هذا تعطيل لهذه الشعيرة العظيمة، وضرر عظيم على الأمة.

والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

<<  <  ج: ص:  >  >>