للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقتال الخوارج كان قتالاً شرعياً لا إشكال فيه عند أهل العلم قاطبة، ولا يترددون أن الحق فيه كان مع علي -رضي الله عنه- وقتال الخوارج من أفضل القربات التي نال عليٌ -رضي الله عنه- شرفها.

أما قتال الفتنة -الذي وقع بين الصحابة -رضي الله عنهم- فكلام أهل العلم فيه طويل جداً، والذي تدل عليه الأدلة -وهو قول جمهور السلف- أن علياً كان أولى بالحق من معاوية -رضي الله عنهما- كما ثبت في الصحيحين -في شأن ذي الثدية الخارجي-: "تقتله أولى الطائفيتن بالحق"، وليس هذا مجال بسط الأدلة في ذلك.

إلا أن الذي يجب أن يُعْلم هنا، أن ذلك لا يبيح وصف أحدٍ من الطرفين بالفسق، فضلاً عن التكفير -والعياذ بالله- فإنهم مجتهدون، وراغبون في الوصول إلى الحق -رضي الله عنهم- بغض النظر عن المصيب منهم في هذه القضية-، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنه قال: "إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا حكم فأخطأ فله أجرٌ واحد"، ولا يختلف أهل العلم أن كبار الصحابة الذين شاركوا في القتال هم من المجتهدين، وليس كل مجتهدٍ مصيب.

ثانياً: من حيث العموم -وبعيداً عن قضية الاقتتال بين الصحابة- فقد أثبت الله تعالى الإيمان بين المقتتلين، فقال تعالى: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ... الآية) ، [الحجرات:٩] ، فتأمل قوله: "وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا" فسماهم مؤمنين مع سل السيوف، وإزهاق النفوس! وهذا الحكم يشمل المؤمنين إلى قيام الساعة، وإذا كان هذا الحكم ثابتاً، ولو كان القتال على سبيل البغي والعدوان، فما ظنك إذا كان القتال بتأويل واجتهاد؟!

كما أن الله -عز وجل- أثبت عقد الأخوة بين القاتل والمقتول في آية سورة البقرة، فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ... الآية[البقرة:١٧] .

فتأمل -بارك الله فيك- كيف سمّى الله القاتل أخاً؟ كلُّ ذلك حفاظاً على أصل الأخوة الإيمانية حتى وإن وجد ما ينغصها، ويكدرها، وهو القتل.

ثالثاً: قولك -وفقنا الله وإياك للصواب-: "فبصراحة -يا سادتنا العلماء- إن مسألة "اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحدٌ" لها قوانينها -إن صحت- ... فأقول:

قد ذكرتُ لك قبل قليل -بورك فيك- أن هذا الحديث متفق على صحته، فلا مجال للتشكيك فيه، بل هذا الحديث من أعظم الأدلة على رحمة الله بهذه الأمة، وبأهل العلم خصوصاً، وهو من أعظم ما يعين على بذل العلم، والاجتهاد في البحث، إذْ الباحثُ لن يعدم أجراً -إذا بذل وسعه- والحمد لله على هذا.

رابعاً: قولك: " ... لها قوانينها -إن صحت- وفي مسائل فقهية بسيطة، لا في أطماع سياسية تقود لدماء وأحقاد، وو ... ".

أما قولك: "لها قوانينها"، فهذا صحيح من جهة أنه ليس كل أحدٍ له حق في الاجتهاد، بل هذا منوط بمن يحق لهم الاجتهاد، إما الاجتهاد المطلق، أو الاجتهاد الجزئي -كما هو معروف عند الأصوليين-.

<<  <  ج: ص:  >  >>