للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[غرابة محاولة الرسول صلى الله عليه وسلم التردي]

د. الشريف حاتم بن عارف العوني ١٨/٢/١٤٢٥

٠٨/٠٤/٢٠٠٤

ورد إلى نافذة الفتاوى سؤال يتعلق بخبرِ همّ النبي عليه الصلاة والسلام بإلقاء نفسه من ذروة جبل وهو في صحيح البخاري فأجاب عنه فضيلة الشيخ/ د. الشريف حاتم بن عارف العوني - حفظه الله - وذكر أن القصة لا تصح أصلاً وقد أظهر البخاري ضعفها.

ثم وردنا تعقيب من أحد قرائنا الأعزاء على هذه الفتوى مفاده " لعل الانتحار لم يكن حرم في ذلك الوقت؟ " فعرضنا هذا التعقيب على الشيخ المجيب؛ فتفضَّل بالإجابة. جزاه الله عنا خيراً، فإليكم التعقيب والتوضيح

التعقيب:

فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

لماذا لم يذكر الدكتور حاتم أن المبرر في همِّ الرسول بإلقاء نفسه من الجبل هو أن الانتحار لم يكن محرمًّا في ذلك الوقت؟ فمن المؤكد أن الواقعة المذكورة كانت في بداية الوحي والرسالة في مكة المكرمة، أما الحديث الشريف: "من قتل نفسه بحديدة...." إلى آخر الحديث، فقد كان في المدينة المنورة بعد الهجرة، وكما هي القاعدة فإن الأحكام اللاحقة تنسخ الأحكام السابقة. أرجو إفادتي وتصحيح المعلومة إن كانت خطأ والنشر إن كانت صواباً، وجزاكم الله خيراً.

*****

التوضيح:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه. أما بعد:

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.

فإن غرابة (أو نكارة) خبر محاولة النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يتردى من جبال مكة ليست من قِبل أنه فقط قتل للنفس وانتحار، بل من عدة جهات:

أولاً: هل يُتصوّر أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شكَّ في كونه نبيًّا بعد نزول الوحي عليه؟! فإن شك هو فمن بُعث إليهم أولى بالشك!!!

ثانياً: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- من حين علم أن ما جاءه من الوحي يقتضي أن يتحمل أعباء الرسالة، فقد ألزمه ربه - عز وجل- أن يستعد لذلك للبلاغ والدعوة العظمى. فكيف يجوز له أن يتخلى عن أداء ما كلفه وشرفه به ربه - عز وجل-؟! وما أجل وأعظم ذلك التكليف والتشريف!!!، ولا شك أن تَرْك مهمة التبليغ بهذه الصورة من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمر مستنكر جداً، وقد عوقب نبي من الأنبياء لأمر أقل من هذا، كما قال تعالى: "وذا النون إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" [الأنبياء: ٨٧] ، وقال تعالى: "ولا تكن كصاحب الحوت ... " [القلم: ٤٨] .

ثالثاً: أن قتل النفس مما ارتكز في الفطر استقباحه، واتفقت عليه جميع الأديان والمذاهب والقوانين، فليس استقباح ذلك منوطاً فقط بورود الشرع به. وإلا فهل استجاز أحدٌ من المسلمين قَتْل نفسه قبل ورود الشرع به، مع ما كان ينالهم من الأذى والتعذيب، بل كانوا يؤمرون بالصبر وعدم الاستعجال. هذا والله أعلم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>