للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[حول قضية الحوار بين الأديان]

المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ١٨/٢/١٤٢٦

٢٨/٠٣/٢٠٠٥

قرار المجلس:

يستعمل الكثيرون عبارة (التقريب بين الأديان) ، والأولى استخدام كلمات أخرى مثل الحوار والاشتراك والتعاون، وبخصوص ذلك ينبه المجلس إلى أنه إذا كان المقصود به إذابة الفوارق بينها من أجل اللقاء في منطقة وسطى جمعًا بين التوحيد والتثليث والتنزيه والتشبيه مثلاً، فذلك مما يأباه الدين الخاتم الكامل، قال تعالى: {وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ} [المائدة:٤٩] .

غير أن للحوار والاشتراك والتعاون بين رسالة الإسلام والرسالات السماوية الأخرى معاني مقبولة، لأمر الله تعالى بقوله: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: من الآية١٢٥] ، ولقوله عز وجل: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ} [آل عمران:٦٤] .

وتأسيًا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحوار مع نصارى أهل نجران وغيرهم (١) ، وذلك اعتبارًا لأصول الإسلام، في وحدة الألوهية والنبوات والأصل الإنساني، وفي عموم الرسالة وواجب الدعوة إلى الله عز وجل عن طريق الحوار والمجادلة بالتي هي أحسن، بعيدًا عن كل ضروب الإكراه والإجبار والنيل من مشاعر المخالف في الملة، ذلك أنه ولئن تباينت رسالة الإسلام والرسالات السماوية الأخرى في أصول وفروع معروفة، فقد اشتركت معها في أخرى معتبرة، مثل عموم الإيمان بالله تعالى والنبوات واليوم الآخر وأصول الأخلاق، وأسس البناء الاجتماعي كالأسرة والمحافظة على البيئة وقضايا حقوق الإنسان والشعوب المستضعفة والتصدي للطغيان والمظالم على كل المستويات القطرية والدولية، وإشاعة روح التسامح ونبذ التعصب وحروب الإبادة والعدوان.

ويؤكد هذه المعاني للتقارب مع أهل الملل الأخرى اشتداد عواصف الفلسفة المادية والإباحية والإلحاد والتفكيك لأواصر المجتمعات في ظل ثورة الاتصال التي جعلت من العالم قرية صغيرة توشك أن تشترك في المصير، بما يعزز مساعي الحوار والتعاون مع أهل الملل الأخرى ولا سيما مع أهل الكتاب إبرازًا للمشترك ودفاعًا عنه، بدل النكء المستمر لجراح الاختلاف، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات: من الآية١٣] ، ولقد شهد صاحب الدعوة عليه السلام أن عباد الله كلهم إخوة (٢) ، وقال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَان} [المائدة: من الآية٢] .

[القرار١/٤]


(١) قصة النبي صلى الله عليه وسلم مع نصارى نجران مشهورة في كتب التفسير والسيرة، وجاءت الرواية فيها من حديث عبد الله بن عباس، عند ابن جرير في "تفسيره" (٣/٣٠٥) والبيهقي في "دلائل النبوة" (٥/٣٨٤) ، ومن حديث كرز بن علقمة، عند الطبراني في "المعجم الأوسط" (رقم: ٣٩١٨) والبيهقي في "الدلائل" (٥/٣٨٢) ، ومن حديث جابر بن عبد الله، عند الحاكم في "المستدرك" (٢/٥٩٣) ، ومجموع الروايات يصح به وقوع ذلك، وأصل القصة في "صحيح البخاري" (رقم:٤١١٩) من حديث ابن مسعود مختصرًا.
(٢) إشارة إلى حديث زيد بن أرقم، قال: كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر صلاته: "اللهم ربنا ورب كل شيء، أنا شهيد أنك أنت الرب وحدك لا شريك لك، ... " الحديث وفيه: "أنا شهيد أن العباد كلهم إخوة". أخرجه أحمد (رقم:١٩٢٩٣) وأبو داود (رقم: ١٥٠٨) وإسناده ضعيف. لكن أخوة الإنسانية مما أثبته القرآن في آيات كثيرة في الخبر عن الأنبياء مع أقوامهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>