للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هذا إذا قدر على مؤن النكاح، فإن عجز عن مؤمن النكاح ونفقاته فقد أرشد نبينا –صلى الله عليه وسلم- إلى ما يطفئ هذه الغريزة بالوسيلة المباحة والناجعة، حيث قال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب: من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء" أخرجه البخاري (٤٧٧٩) ، ومسلم (١٤٠٠) من حديث ابن مسعود – رضي الله عنه-.

قال الحافظ ابن حجر تعليقاً على هذا الحديث كما في الفتح (٩/١١٢) : "واستدل به بعض المالكية على تحريم الاستمناء؛ لأنه أرشد عند العجز عن التزويج إلى الصوم الذي يقطع الشهوة، فلو كان الاستمناء مباحاً لكان الإرشاد إليه أسهل" ا. هـ.

بقي أن نقول: إذا كان المجتمع الذي تعيش فيه يعج بالفساد والمغريات والفتن، فهاجر منه إلى بلدٍ آخر تأمن فيه على نفسك، وعلى أولادك، ولا يكن هذا الأمر عائقاً لك عن الزواج، لا سيما وأنت خائف للعنت، وواقع في ورطة الشهوة، وقد قرر عامة أهل العلم، أن النكاح واجب على من هذا حاله إذا كان قادراً عليه، كما أفاده ابن قدامة في المغني (٩/٣٤١) ؛ لأن المسلم يجب عليه أن يعف نفسه، ويصونها عن الحرام، ولتكن قدوتك حبيبك محمداً – صلى الله عليه وسلم-، فهو الأسوة، وهو أخشانا لله وأتقانا له، لا شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- ولا غيره من علماء الدين والملة، علماً بأن أولئك الأئمة، ما تركوا النكاح رغبة عنه ولا زهداً فيه، وإنما لأن أحدهم كان مثقل الظهر بهموم العلم والدعوة والجهاد، ولهذا لما سئل شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى (٣٢/٥) ، عن شاب أو رجل أصابه سهم من سهام إبليس المسمومة- في إشارة إلى الوقوع في الشهوة المحرمة- فأجاب: (من أصابه جرح مسموم فعليه بما يخرج السهم ويبرئ الجرح بالترياق والمرهم، وذلك بأمور: منها: أن يتزوج أو يتسرى؛ فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا نظر أحدكم إلى محاسن امرأة فليأت أهله؛ فإنما معها مثل ما معها" رواه الترمذي (١١٥٨) وأصله عند مسلم (١٤٠٣) ، من حديث جابر – رضي الله عنه -، وهذا مما ينقص الشهوة، ويضعف العشق.

الثاني: أن يداوم على الصلوات الخمس، والدعاء، والتضرع وقت السحر، وتكون صلاته بحضور قلب وخشوع، وليكثر من الدعاء بقوله: "يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك وطاعة رسولك" فإنه متى أدمن الدعاء والتضرع لله صرف قلبه عن ذلك، كما قال تعالى: "كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ... " [يوسف:٢٤] ا. هـ.

وأما قولك – أيها السائل الكريم-: (لم أر السعادة ... ) فهو غريب وربما لم تحظ – كما حظي غيرك- برؤية زوجين ينعمان بحياة زوجية سعيدة، وحسبنا قول نبينا –صلى الله عليه وسلم-: "خير متاع الدنيا المرأة الصالحة" أخرجه مسلم (١٤٦٧) من حديث عبد الله بن عمرو – رضي الله عنهما- وقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: "لم ير للمتحابَّين مثل النكاح" أخرجه ابن ماجة في سننه (١٨٤٧) ، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (٢/٩٤) "هذا إسناد صحيح، رجاله ثقات" ا. هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>