للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه فإن تحفظ الأخ الكريم حول اقتراح الإفادة مما يسمى الذكاء المتعدد؛ لمجرد كونه وافدًا من الغرب ليس في محله؛ لأنه لا يتعارض مع أصل شرعي أو قاعدة إسلامية معتبرة، بل هو نظرية تدور في فلك تعدد القدرات التي أشار إلى بعض النصوص المؤيدة لها، وقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الناس معادن كمعادن الذهب والفضة" رواه البخاري (٣٤٩٤) ومسلم (٢٦٣٨) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه- وطبيعة تكليفه - صلى الله عليه وسلم - الصحابة - رضي الله عنهم - ببعض الأعمال كتعلم زيد بن ثابت - رضي الله عنه - السريانية دون سواه انظر ما رواه الترمذي (٢٧١٥) وأبو داود (٣٦٤٥) وبعث معاذ - رضي الله عنه - إلى اليمن انظر ما رواه البخاري (١٣٩٥) ومسلم (١٩) عن ابن عباس - رضي الله عنهما- وتحميل أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قيادة الجيش مع صغره انظر ما رواه البخاري (٣٧٣٠) ومسلم (٢٤٢٦) من حديث ابن عمر - رضي الله عنهما - في مقابل مواقف (سلبية) تجاه بعض الصحابة - رضي الله عنهم - كهجره كعب بن مالك وصاحبيه - رضي الله عنهم - لما يعلم من قوة إيمانهما انظر ما رواه البخاري (٤٤١٨) ومسلم (٣٧٦٩) ، وتحذير أبي ذر - رضي الله عنه- أن يتحمل مسؤولية الإمرة ولو على اثنين، أو يشرف على مال يتيم؛ وذلك لتعليلات مذكورة في الحديث الذي رواه مسلم (١٨٢٥) .

والتخبطات التي وقع ويقع فيها الغرب لا تعني عدم الإفادة مطلقًا، تبقى هي نظرية، هل الناس على ثمانية أصناف أو أقل أو أكثر هي محل اجتهاد، وابن القيم -رحمه الله- أكثر من الاعتماد على تقسيمات أن النفوس أربعة (سبعية وكلبية ... الخ) وردد مرارًا أن أصول الناس ترجع إلى أربعة أقسام (ترابية ونارية ومائية ... ) وبنى عليهما نصائح وتطبيقات، وكلتا النظريتين مأخوذتان عن أرسطو، ولم يوقف حتى الآن على أي دليل صريح في الكتاب والسنة يدعم هاتين النظريتين أو يبطلهما.

وهناك عشرات النظريات التي تبحث في النفس البشرية في محاولة للاقتراب منها (أي النفس) ، والعالم يبحث في النصوص يتلمس ما يدعم هذا الرأي أو ذاك، أو يصل إلى نظرية جديدة يدعمها بالأدلة.

ولا أدري هل يرحب الأخ الكريم بنشر تطبيقات (الذكاء المتعدد) بوصفها تطبيقاً لتفاوت قدرات الناس، دون الإشارة إلى أن مصدرها نظرية الذكاء المتعدد أو لا يرحب؟

وأحب أن أؤكد أن تأصيل العلوم الإنسانية أمر مهم، ولكن من التعقل ألا يكون موقفنا الرفض تمامًا ولا التسليم تماماً والتفتيش في النصوص عما يؤسلمها، بل التأمل فيها ونقاشها وفق أصول المعرفة (الوحي، العقل، الحس والملاحظة، الفطرة، التجربة) . والاقتصار على أصل واحد منها دون غيره خلل في العلم.

والقرآن والسنة مصدرا تشريع، وليسا موسوعتين تقدمان كل العلوم وتجيبان على كل الأسئلة، نعم وضع الوحي قواعد عامة وأطرًا وتفصيلات، لكن ثمة أشياء تركت لاجتهادات أهلها، فظهر لنا أصول الفقه ومصطلح الحديث التي تعد جل قواعدهما عقلية، والسياسة الشرعية التي يعد جل تطبيقاتها مبنية على المصلحة والمفسدة.

والكتاب والسنة جاءا ببيان أصول التربية وأسسها وغايتها الكبرى، مع بعض التطبيقات التي تصلح في مكان أو زمان ولا تصلح في مكان أو زمان، وهذه أعظم منقبة في التربية.

<<  <  ج: ص:  >  >>