للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما سؤاله عن الرقية أهي من قبيل الاجتهاد، فإن ظاهر النصوص الواردة عن –النبي صلى الله عليه وسلم- تدل على جواز الاجتهاد في الرقية، فقد أخرج مسلم (٢٢٠٠) وغيره من حديث عوف بن مالك –رضي الله عنه- أن بعض الصحابة –رضي الله عنهم- سأل النبي –صلى الله عليه وسلم- عن الرقى التي يسترقون بها في الجاهلية، وعرضوها عليه قال: "اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيه شرك" فتضمن الحديث الإذن المطلق في الرقى، وقيدها بألا تكون شركاً، ومثله ما أخرجه مسلم (٢١٩٩) من حديث جابر –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- نهى عن الرقى، فجاء آل عمرو بن حزم إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- فقالوا: "يا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إنه كانت عندنا رقية نرقى بها من العقرب، وإنك نهيت عن الرقى، قال: فعرضوها عليه، فقال: ما أرى بأساً، من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه". فدل ظاهر هذه النصوص على جواز ذلك، حتى ماكان من رقاهم في الجاهلية، بشرط ألاّ تتضمن حراماً. على أن أهل العلم شرطوا لجواز الرقية شرطين:

الأول: أن تكون الرقية بأمر مباح، ولذا نصَّ أهل العلم على عدم جواز الرقية بألفاظ أعجمية؛ مخافة أن تتضمن كلاماً محرماً، قال مالك –رحمه الله- وقد سئل عن الرقية: (لا بأس بذلك بالكلام الطيب) ، وقال المازري: (ينهى عن الرقى إذا كانت باللغة العجمية، أو بما لا يدرى معناه لجواز أن يكون فيه كفر) ، وبقريب منه قال الحافظ العراقي في طرح التثريب، وعلى هذا فلا يجوز أن تكون الرقية مشتملة على دعاء غير الله –تعالى- أو الاستغاثة بأحد من الخلق من الإنس والجن أو غيرهم، ومن ذلك ما يفعله بعض الدجالين من خلط كلام غير مفهوم أو طلاسم ورموز بآيات قرآنية أو أدعية مأثورة ونحو ذلك مما يلبسون به على الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>