للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيا أخي الحبيب: تخيل نفسك بعد ثلاثة أيام وأنت في قبرك، وقد جردت من الثياب وتوسدت التراب، وفارقت الأهل والأحباب وتركت الأصحاب، ولم يكن معك جليس ولا أنيس إلا عملك الذي قدمته في الدنيا، فماذا تحب أن تقدم لنفسك وأنت في زمن الإمهال حتى تجده في انتظارك يوم انتقالك إلى قبرك؟ "يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ وَاللَّهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ" [آل عمران:٣٠] .

والله لو عاش الفتى في عمره *** ألفاً من الأعوام مالك أمره

متمتعاً فيها بكل لذيذة *** متلذذاً فيها بسكنى قصره

لا يعتريه الهم طول حياته *** كلا ولا ترد الهموم بصدره

ما كان ذلك كله في أن *** يفي فيها بأول ليلة في قبره

هل تذكرت أخي الكريم أول ليلة في القبر؟ حيث لا أنيس ولا جليس ولا صديق ولا رفيق ولا زوجة ولا أولاد، ولا أقارب، ولا أعوان، "ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ" [الأنعام:٦٢] .

فارقت موضع مرقدي *** يوماً ففارقني السكون

القبر أول ليلة *** بالله قل ما يكون؟

أخي: هل تذكرت النفخ في الصور؟ والبعث يوم النشور؟ وتطاير الصحف؟ والعرض على الجبار - جل وجلاله-؟ والسؤال عن القليل والكثير؟ والصغير والكبير؟ والفتيل والقطمير؟ ونصب الموازين لمعرفة المقادير؟ ثم جواز الصراط، ثم انتظار النداء عند فصل القضاء إما بالسعادة وإما بالشقاوة، "فريق في الجنة وفريق في السعير" [الشورى: ٧] ، "فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ. وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ" [هود:١٠٦-١٠٨] .

فيا أخي الكريم: من أي الفرقين تحب أن تكون؟ فجدير بمن الموت مصرعه، والتراب مضجعه والدود أنيسه، ومنكر ونكير جليسه، والقبر مقره، وبطن الأرض مستقره، والقيامة موعده، والجنة أو النار مورده، أن لا يكون له فكر إلا في ذلك، ولا استعداد إلا له.

فيا أخي الكريم: إن العمر قصير، والسفر طويل، والزاد قليل، والخطر محدق وكبير، والعبد بين حالين: حال قد مضى لا يدري ما الله صانع فيه؟ وآجل قد بقى لا يدري ما الله قاض فيه؟.

<<  <  ج: ص:  >  >>